خلال سنوات الحرب الطاحنة التي بدأت منذ عام 2015 في اليمن والتي أدخلت أكثر من 20 مليون يمني في دائرة الفقر والمجاعات، تكشّفت العديد من الانتهاكات والجرائم للدول المشاركة في الحرب، وأماطت تقارير دولية اللثام عن تورط أطراف إقليمية بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
الإمارات كانت من بين الدول السّباقة التي كان لها حظ وافر من الانتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم التعذيب والإخفاء القسري، مستغلة عضويتها في تحالف العدوان الغاشم. ويبدو أن المجتمع الدولي غير مهتم إطلاقاً بما يجري في اليمن من انتهاكات بحق المدنيين وغير المدنيين، هذه الانتهاكات التي تتكشف لنا يوماً بعد يوم والتي تشرف عليها وتقودها كل من الإمارات والسعودية تحت حجج واهية لا أساس لها من الصحة، فتارة يدمّرون البنى التحتية لليمن ويضعون شعبه على حافة المجاعة تحت حجة إعادة الشرعية القابعة في فنادق الرياض، وتارة يضعون كل من يقف في وجه طموحاتهم في السجون تحت ذريعة أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من المنظمات الحقوقية مؤخرا عن وجود سجون ومعتقلات سرية إماراتية جنوبي اليمن بغطاء من شركة “توتال” الفرنسية، لتكون أداة لفرض سيطرتها وإخضاع المناهضين لها بالإخفاء القسري والتعذيب والاعتداءات.ولفتت تلك المنظمات الحقوقية إلى أن أولى التقارير عن هذه السجون كانت في العام 2017، حيث كشفت في ذلك الوقت العديد من وسائل الاعلام عن الجرائم التي ترتكبها الإمارات بحق السجناء وكيف تعرّضهم لأبشع أنواع التعذيب والذل، وأن ضبّاط إماراتيين استخدموا أساليب مختلفة للتعذيب والإذلال الجنسي في خمسة سجون سرية على الأقل تديرها الإمارات في جنوب اليمن.
وعلى صعيد متصل، أكد فريق الخبراء الأممي بشأن اليمن وجود حالات من العنف الجنسي في مركز الاعتقال في منطقة “البريقة” الواقعة في مدينة عدن جنوب اليمن بين عامي 2017 و2019، وقال إنه وثق منها حالات اغتصاب ستة رجال وصبي واحد، بالإضافة إلى حالات اعتداءات جنسية وعري قسري أخرى، مؤكداً رفض القوات الإماراتية التعاون والسماح بالوصول إلى تلك السجون. كما أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن الإمارات احتجزت تعسّفاً وأخفت قسراً عشرات الأشخاص، مشيرة حينها إلى أنها وثّقت حالات 49 شخصاً، من بينهم 4 أطفال تعرّضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدن وحضرموت الجنوبيتين، العام الماضي.
وحول آخر التقارير المنتشرة حول سجون الإمارات في اليمن، كشفت العديد من التقارير الاخبارية عن وجود سجن سري استخدمه الإماراتيون، داخل موقع لاستخراج الغاز في مدينة “بلحاف” جنوبي اليمن، متسترة بمجموعة “توتال” الفرنسية. السجن الإماراتي الذي كشفت عنه تلك التقارير يقع في قاعدة عسكرية أقامها الإماراتيون على جزء من حقل لاستخراج الغاز في مدينة “بلحاف” جنوب اليمن، والذي جرت السيطرة عليه بطلب من الحكومة اليمنية المستقيلة القابعة في فنادق الرياض. وأكد تقرير صدر عن ثلاث منظمات غير حكومية، أن الموقع يضم مصنعاً للتسييل ومحطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ولكنه توقف عن العمل في 2015 بسبب الحرب في اليمن.
وعلى نفس هذا المنوال، قالت عدداً من المنظمات الحقوقية إنه حسب مصادر متاحة وشهادات، فإن السجن يؤوي منذ 2016 مليشيات قوات النخبة في شبوة، تحت إشراف الإمارات، والشهادات تتحدث عن معاملات غير إنسانية ومهينة تتمثل في الحرمان من الرعاية والتعذيب، ارتكبها جنود إماراتيون. وبعد انتشار هذه التقارير والاخبار التي تفيد بأن القوات الإماراتية قامت خلال الفترة الماضية بتحويل منشأة نفطية إلى سجن سري لتعذيب المعتقلين، طالب محافظ شبوة في حكومة الفنادق، “محمد صالح بن عديو”، أبو ظبي بإخراج قواتها من تلك المنشأة الحيوية، وذلك لأنها مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال، وتشكل موردا أساسيا للدولة. وأوضح “بن عديو”، أن الإمارات حولت منذ سنوات المنشأة إلى قاعدة عسكرية، وتقف حجر عثرة أمام إعادة تشغيلها. وأفاد بأن موازنة الدولة اليمنية كانت قبل الحرب تعتمد بنسبة 60 في المئة على عائدات الغاز.
ومن جانبه، قال “مختار الرحبي” مستشار وزارة الإعلام اليمنية القابعة في فنادق الرياض، إن “منشأة بلحاف تعد أكبر مشروع اقتصادي في اليمن، وحولته الإمارات إلى ثكنة عسكرية وسجن خاص بها تعذب فيه المعتقلين”. وأضاف: “للأسف الشديد الإمارات ركزت منذ وصولها اليمن على المناطق الاقتصادية وسيطرت عليها، مثل منشأة بلحاف وجزيرة سقطرى”. وتابع: “سيطرة الإمارات على بلحاف، ومنع تصدير الغاز منها، يكبد الاقتصاد اليمني خسائر باهظة”. وأردف “الرحبي” قائلا: “ذهبت الإمارات أيضا إلى الساحل الغربي ، وأرسلت مليشياتها إلى مضيق باب المندب، وهي مناطق استراتيجية”. واستطرد: “الإمارات أصبحت عدوا اليمن الأول”.
ومن جهته، طالب “شوقي القاضي” البرلماني الاخواني اليمني المعروف، حكومة “منصور هادي” المستقيلة يوم الإثنين الماضي، بتحرير منشأة بلحاف من الاحتلال الإماراتي” وقال “القاضي” عبر فيسبوك: “في ظل هذا الانهيار للاقتصاد والريال اليمني وتنامي الفقر المدقع، يجب أن تتحرك جميع المؤسسات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لتحرير مطارات وموانئ اليمن من الاحتلال الإماراتي، وخاصة منشأة بلحاف”. الجدير بالذكر أن تدوينة “القاضي” جاءت بعد ثلاثة أيام من مطالبة 51 برلمانيا فرنسيا باستجواب وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لودريان”، حول وجود قاعدة عسكرية ومركز احتجاز تابعين للجيش الإماراتي في منشأة “بلحاف”، التي تديرها شركة النفط والغاز الفرنسية “توتال”.
وعلى الصعيد نفسه، قال “توفيق الحميدي”، رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات، إن المنظمة وثقت في 2017 اعتقال أسرة يمنية من قبل القوات الإماراتي في شبوة أثناء عودتها من محافظة مأرب المجاورة”. وأضاف: “تم نقل الأسرة بطائرة مروحية إماراتية إلى منشأة بلحاف.. الضحايا أكدوا لنا أنهم شاهدوا جنودا أجانب في المعتقل، لكن غير معروف جنسياتهم”. وأردف: “لدينا شهادات موثقة لأربعة من الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب بطريقة مهينة وقاسية في سجن بلحاف”. وأفاد بأن شركة “توتال” الفرنسية تحصل على 40 في المئة من إيرادات منشأة بلحاف، ولذا هي ملزمة باحترام البروتوكولات الخاصة بحقوق الإنسان. ولفت إلى أن 51 نائبا فرنسيا أثاروا هذا الأمر، استنادا إلى نصوص قانونية تعاقب الشركات التي تساهم في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خارج فرنسا. وتابع “الحميدي” قائلا: “هناك ضغوط قوية من منظمات حقوقية على فرنسا بخصوص الانتهاكات في معتقل بلحاف، فالأمر يسيء لباريس، وقد تذهب القضية إلى المساءلة القضائية”.
وعلى نفس هذا السياق، قال “علي الذهب” الباحث العسكري اليمني، “ثمة أبعاد وأهداف عسكرية تسعى الإمارات إلى تحقيقها عبر استمرار سيطرتها على منشأة بلحاف”، وأضاف، إن “المنشأة يمكن أن توفر موردا هاما لدعم العمليات العسكرية لقوات منصور هادي، ولذلك تسعى الإمارات إلى حرمان تلك القوات من الاستفادة من هذا القطاع الحيوي لدعم عملياتها المختلفة، الاقتصادية والعسكرية”. وأضاف أن ذلك يأتي “في سياق سعي الإمارات إلى إضعاف قوات منصور هادي أمام حلفاء أبوظبي، التي يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي”. ولفت إلى أن منشأة بلحاف يمكن أن تفيد الإمارات في مجال النفط والغاز وما شابه، إضافة إلى توظيف وجودها في المنشأة للتأثير على الأطراف الدولية المشاركة في المشروع، ومنها فرنسا وكوريا”. وأفاد “الذهب” بأن وجود الإمارات في تلك المنشأة هو مكمل لسيطرتها الاقتصادية على ميناء عدن الحيوي ومصافي تكرير النفط هناك، بالإضافة إلى موانئ أخرى، وهيمنتها أيضا على موارد اقتصادية أخرى، ما يؤدي إلى إضعاف حكومة منصور هادي.
وفي سياق متصل، هاجم النائب البرلماني الفرنسي، “هوبرت جوليان لافيريير”، حكومة بلاده بشأن صمتها على انتهاكات الإمارات في اليمن، بمباركة فرنسية من خلال شركة “توتال”. وأضاف “لافيريير” قائلا، “حان الوقت لمحاسبة الإمارات. مما يثير قلقنا هو استغلال أحد أهم منشآتنا الصناعية في بلحاف باليمن، من أجل انتهاك القانون الدولي. من المعلوم أن الدولة منذ العام 2009 دعمت هذا المشروع بضمان قرض يصل إلى 216 مليون يورو، ولذلك السبب لا يمكن التسامح إطلاقًا باستغلال أموال الشعب الفرنسي، لا سيما من قبل دولة كالإمارات”.
وفي الختام ينبغي على أبناء الشعب اليمني الذين لا يزالون مخدوعين بتحالف العدوان السعودي الإماراتي، أن يدركوا جيدا بأن هذا التحالف الغاشم لم يأتي إلى اليمن من أجل اعادة تحسين الاوضاع المعيشية لأنباء الشعب اليمني وبناء الدول اليمنية الحديثة وإنما جاء من أجل احتلال الأماكن والمواقع الاستراتيجية ونهب الثروات النفطية والغازية الموجودة في العديد من المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية ولهذا يجب على أنباء الشعب اليمني الوقوف في صف واحد لطرد قوات تحالف العدوان السعودي الإماراتي واستعادة كافة الأراضي اليمنية التي لا تزال قابعة تحت سيطرة تلك القوات الغازية.