الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

السیطرة على التحولات الاجتماعیة…بقلم إبراھیم أبو عواد

التحولاتُ الاجتماعیة لیست عملیةً میكانیكیة خالیة من المشاعر الإنسانیة ، ولیست إجراءً روتینیًّا یشتمل على منظومة السبب والنتیجة بدون وَعْي تاریخي أو تمھید واقعي . إن التحولات الاجتماعیة تتحرَّك وفق تراتبیة معرفیة منطقیة ، لا مكان فیھا للصُّدَف أو أنصاف الحُلول. وإذا لم یستطع الإنسانُ إیجادَ تفسیر منطقي للأحداث ، فھذا لا یعني أن الأحداث عبثیة . وإذا لم یَقْدِر المجتمعُ على تحلیل الظواھر الرمزیة المُسیطرة على سُلوك الفرد وتوجُّھات الجماعة ، فھذا لا یعني أن الصُّدفة ھي القانون الحاكم على أنساق المجتمع . إن الأسباب والمُسبِّبات كامنة في الوجدان الإنساني والوَعْي الاجتماعي . واتحادُ الوجدان مع الوَعْي ھو الذي یصنع الوجود الحقیقي للعناصر الفكریة في التاریخ والجغرافیا . وبما أن الوجود في حركة مُتواصلة، والطبیعة في صَیرورة مستمرة ، ولا مكان للفراغ والعدم في الواقع المُعاش ، فلا بُد من حدوث تحولات اجتماعیة أُفقیة وعمودیة . الأُفقیةُ تتمثَّل في الحراك الاجتماعي ضمن مستویات زمنیة تتعلَّق بالماضي والحاضر والمستقبل ، أمَّا العمودیة ( الرأسیة ) فتتمثَّل في الحَفْر المتواصل في طبیعةِ لغة الخطاب الاجتماعي ، ومركزیةِ الظواھر الثقافیة ، والمعاییرِ الرمزیة القائمة على الخلاص الفردي والمصلحة العامَّة ، وحالاتِ الوَعْي الجَمْعي ضمن أُطُر التفاعل مع الذات والآخَر . وھذا یعني أن التحولات الاجتماعیة لیست تحصیل حاصل ، أو أمرًا مفروغًا مِنھ ، ومتروكًا لحركة الزمن . إن ھذه التحولات تُؤَثِّر في الزمن ، كما یُؤَثِّر الزمنُ فیھا ، وھذا التأثیر المُتبادل یُثبِت أنھا تحوُّلات عقلانیة ، یُمكن توقُّع مسارھا قبل حدوثھا على أرض الواقع . وكُلُّ حراك اجتماعي في الوجود یُمكن توقُّع مساره ، ومعرفة نقطة بدایتھ وغایتھ ، فھو حراك عقلاني مُنظَّم محكوم بقوانین منطق اللغة ومنطق المجتمع معًا . ومنطق اللغة یُوفِّر الشروطَ الفكریة لصناعة الفِعل الاجتماعي ، لأنھ لا یُوجد فِكر بدون لُغة . ومنطقُ المجتمع یُحدِّد الخصائصَ العقلانیة للتوازن بین صراع الإنسان معَ ذاتھ وصراعھ معَ مُحیطھ ، وكُل صراع ذھني ھو علاقة فكریة ، لأن الفِكر ھو صراع قناعات وعُقول ، وصِدام بین الحُجَج والبراھین . ولا یُوجد معنى بدون مُجتمع .
وإذا كانت التحولاتُ الاجتماعیة في طریق الإبداع والتطویر، فھي تحوُّلات إیجابیة ، تحت سیطرة العقل الجمعي ، ویُمكن التحكُّم بھا لصالح الخَیر العام ، وتوجیھ مسارھا لإحداث نھضة حقیقیة . أمَّا إذا خرجت ھذه التحولاتُ عن الطریق الصحیح ، فإن المجتمع سیدفع ثمنًا غالیًا ، لأنھ فقد السیطرةَ على أھم عناصره ، وصارَ لاھثًا وراء الأحداث ، تَقُوده ولا یَقُودھا ، وتتحكَّم بھ ، ولا یتحكَّم بھا ، وھذا ھو الانتحار التدریجي في المجتمع ، حیث یَبدأ العَدُّ التنازلي لنھایة الحُلْم الاجتماعي في التقدُّم والازدھار ، وھذا یعني بالضرورة بدایة ظھور الكوابیس . وإذا سیطرت الكوابیسُ على بِنیة النظام الاجتماعي ، فلن یَشعر الإنسانُ بجدوى وجوده ، ولن یَعرف المجتمعُ مسارَه ومصیرَه . وإذا دخل العقلُ الجمعي في متاھة التحولات الاجتماعیة الخارجة عن السیطرة ، فإن المجتمع سیخرج من التاریخ ، وتُصبح العلاقاتُ الإنسانیة سِلعةً في مَوضع العَرْض والطَّلَب . وعندئذ ، یتحوَّل الإنسانُ من كائن حَي مُفكِّر إلى أداة وظیفیة وشَيء ھامشي ، ویتحوَّل المجتمعُ مِن كیان اعتباري لھ شرعیة وجودیة ورمزیة حضاریة ، إلى ساحة لتصفیة الحسابات ، ورُقْعَة شِطْرَنْج یُحرِّك علیھا الأقویاءُ أحجارَھم. وإذا وَضَعَ المجتمعُ مصیرَه في أیدي الآخرین،فلا بد أنھم سیلعبون بھ لتحقیق مصالحھم الشخصیة. وما دام القِطارُ على السِّكة فھو تحت السیطرة، أمَّا إذا خرج عن السِّكة، فقد صارَ وحشًا قاتلاً خارج السیطرة.

*كاتب من الاردن

شاهد أيضاً

مركزية الألم في شعر الرثاء… بقلم إبراهيم أبو عواد 

شِعْرُ الرِّثَاء لَيْسَ تَجميعًا عشوائيًّا لِصِفَاتِ المَيِّتِ وخصائصِه وذِكرياتِه وأحلامِه ، أوْ حُزْنًا عابرًا سَرْعَان …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024