السبت , 23 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الصلاة في القدس..أو حين يعانق الأمل منطق الأشياء… بقلم: ادريس هاني

كلهم زعم من قبل أنّه سيصلي في القدس، لكن الصلاة في القدس اليوم ليست نزهة بل هي إطاحة بمشروع إمبريالي كبير. وحين قال السيد حسن ما قاله فهو لم يتحدّث خارج الدليل بل تحدّث عن أمل ورجاء ولكنه أمل يستقوي بمقدمات منطقية. هو قالها بمنطق وعشق بينما يقف على تلال من نار.

حتما حين يحدث الانقلاب العالمي وتفتح القدس فلن يكون السيد حسن إلا أهم قائد يستحقّ أنّ يؤمّ المصلين في هذه الصلاة، لكن سيتدفق منافقوا الفتوح كالعادة ليصلوا صلاة بلعم بن باعورا، لكن لن تكون صلاة كالصلاة.

يدرك السيد حسن حدود المنطق والتوقع والواقعية وهذا ما يلفتني في خطابه، فهو من أكثر الخطابات واقعية وقدرة على الإقناع. لا يحتاج إلى مقوّيات شعاراتية وانفعالية لإقناع خصومه قبل مؤيديه بنجاعة موقفه بل إنّه يخاطب العقل لا المشاعر التي جلبت على العرب الهزائم. فحينما ينطق بها قائد صادق يقف على خطّ النار فلن تكون مثل أماني من يحترفون المقاومة بالتغنّي على التّل في انتظار الغنيمة.

قد يصلّي هذا المقاوم القدّيس في القدس، وليس ذلك ببعيد في تقدير تطور الأحداث، فالدخول إلى الجليل لم يعد مستبعدا، بل احتقانات المقاومة تجاه الجليل تتطوّر بشكل كبير. من يا ترى يمنع المقاومة أن تحرر الجليل. لكن ماذا تتوقع بعد ذلك؟

في كل معركة قادمة لا بدّ أن يكون شيئ ما خارج الممنوع. لقد كان في السابق غير ممكن الحديث عن انتصارات، ولكن حرب تموز أظهرت هشاشة الكيان الهجومية لكن في أي حرب قادمة وجب إظهار هشاشة العدو الدفاعية، فالجديد في أي معركة قادمة هو أنّ المقاومة لن تصبح مقامة بل ستكون قوة فتح، وهذا تطور حتمي لأنّ المقاومة مرحلة وليست غاية. يخشى الاحتلال من المجازفة بالحرب ولقد سعى من خلال تحريك واشنطن لإشغال الدول الداعمة للمقاومة لكي يعرّي الجبهة المقاومة المتقدمة، لكن عند كل فشل تسجل المقاومة هدفا.

تكبر المقاومة بأهدافها، تفي عند كل منعطف لفلسطين حتى أنّها جعلتها بوصلتها وهي في عزّ ردّ العدوان عن قراها في الجنوب، تجاوزت كل المحن كل الإهانات كل الأساليب المحبطة لتبقى ثابتة على المبدأ. لقد كان أمام المقاومة خيارات كثيرة، كانت في فوهة الاحتلال حين رسمت حدّا لمنطق المقاومة، مقامة لا تقوم على ثنوية تسمح بفصل الامتداد المادي عن الروحي، بل جعلت بناء على مبدأ العشق الواقع يتحد مع العقل والعين تقاوم المخرز.

تتطور المقاومة وتحفر أنفاقا جديدة في استراتيجيا العدو..ويبقى المقاوم المجهول، هم شباب أشبه ما يكونون بالياسمين والجوري يصنعون المفارقة في زمن الاستكبار والخيانة والخذلان، كم يشعرني الوضع بالألم بينما جحافل الانتهازية مثل متفرجين على مدرج ملاعب الكرة يصرخون بينما الكرة تتقاذفها أقدام لاعبين يبلون بلاء ميدانيّا. هذه مقاومة لا تحتاج إلى شيء سوى أن يتركوها تعمل بسلام، فأمّا العدو فهو واضح وأما المنافق فهو يتلوّى على عتبة المقاومة ولكن في الامتحان سينبطح: الميدان هو المعيار، معيار المقاومة.

هؤلاء الذين قدموا أنفسهم قرابين، تقرأ في عيونهم نخوة الفرسان، بمحيّا دمث وقلوب كزبر الحديد. يصنعون المجد لأقوام ليست كلّها تستحق هذا العناء، يركبون صعابا ليس الجميع بها حقيق، يؤلمني ذلك لأنّ هذه الحفنة من الفرسان أوقفت زحفا أمبراطوريا مرعبا. عصابة تحررية كهذه تستحق أن تصلّي في مقدمة من سيصلي، وما أكثر مسلمي الفتح، لكن وعد ابن فاطمة صادق، أصدق من وعد بلعم بن باعورا.

لقد صلّت المقاومة في القدس منذ أطاحت بأسطورة الجيش الذي لا يقهر، إنها إن صلّت في القدس فلن تفعل سوى أن تفعل مستحبّا بعد أن قامت بالواجب. يكفيها هذا المجد الذي لن ينساه التّاريخ وإن حاول البعض إعادة إنتاجه كتاريخ ملتبس لكي لا تبقى في منطقتنا أية نقطة بيضاء، ولكي لا يبقى في برنامجنا أي شيء حاسم، ولكي نكون ريشة في مهبّ الهزائم والإلتباس. لقد أسكرتنا الهزيمة ولا زال حراسها يواصلون الضرب على رؤوسنا لكي لا نرى التحولات الجديدة في المنطقة. ليس للمقاومة من مكافأة على ما بدلت من تضحيات ولا شيء يسعد مزرعة الشهداء إلاّ الصلاة في القدس. وجب توقيت الساعة على القدس، فاقتحام الجليل لم يعد أمرا جليلا بالنسبة لمن أدرك أسرار الميدان وتحسس قفا العدو الهارب. قليل من الضوضاء حيث الثقة في صمت المجاهدين ومكر التّاريخ وقيم الفرسان..لن تُقبل صلاة حاقد أو مهزوم أو متلوّن أو منافق في القدس، ففي القدس لن تقبل إلاّ صلاة الفرسان…

 

شاهد أيضاً

عصر احتكار التهديدات انتهى…الحرب كبرى في ميزان الردع

بكلمات قليلة، كثيرة الدلالة والبلاغة والدقة، لخّص الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024