قال شوقي الطبيب، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تونس، إن بلاده تخسر سنوياً 3 مليارات دولار بسبب الفساد، مشيراً في مقابلة مع “العربي الجديد” إلى أنه جرى تعويم ملف الأموال المنهوبة لأغراض سياسية.
و اكد الطبيب ان تونس تراجعت بمرتبة واحدة على مستوى الترتيب العالمي، محتلة المرتبة 74 عالمياً من مجموع 180 دولة شملها المؤشر عام 2019، بينما كانت في المرتبة 73 في العام السابق .
ورغم هذا التراجع إلا أن الدولة احتلت المرتبة الأولى في منطقة شمال أفريقيا والسادسة عربياً في مكافحة الفساد، ولم يكن بالإمكان تحقيق أفضل مما كان.
وأوضح أن الفساد في تونس متغلغل في دواليب الدولة ويحتاج إلى مجهود سنوات طويلة للحد منه، لكن هذا لا يمنع من الإقرار بأن هناك فشلا إلى درجة ما في القضاء على الفساد، مرده غياب الإرادة السياسية اللازمة، وأيضا التباطؤ في إصدار تشريعات مهمة لمكافحة الفساد والقضاء عليه، بالرغم من تحقيق جهود كبيرة في هذا الشأن، خلال السنوات الماضية.
و اكد ان الهيئة قامت بكل واجباتها ولم تدخر أي جهد في إحالة ملفات فساد ثقيلة إلى القضاء، كما وجّه مرات عديدة إلى الحكومة والبرلمان بضرورة استكمال التشريعات اللازمة للحد من الفساد، خاصة في ما يتعلق بحماية المُبلّغين عن الفساد.
وقال الطبيب أن القوانين والتشريعات هي عمود مكافحة الفساد في أي دولة عندها رغبة حقيقية في مقاومة هذه الظاهرة والحد منها، وأن تونس لديها تأخر في تطبيق قوانين مهمة للحد من الفساد، هذا المجهود مبتور، وهي مسؤولية سياسية بامتياز تتحملها الحكومة والبرلمان.
والمآخذ التي تحدثت عنها منظمة الشفافية الدولية حول الوضع التونسي سبق للهيئة التنبيه إليه في التقارير والتوصيات التي ترفع للأطراف المعنية.
كذلك في ما يتعلّق بالبطء القضائي في التعامل مع ملفات الفساد، فسبق للهيئة التنبيه إلى هذا الأمر أيضا، وهو ما أيدته منظمة الشفافية الدولية في تقريرها الأخير، التي قالت إنه لم يتم محاسبة إلا أعداد قليلة من الفاسدين، خاصة ممن لهم نوع من الحصانة السياسية.
بحسب المؤشرات الانطباعية، هناك 4 قطاعات تشكو من منسوب مرتفع للفساد، وهي الأمن والجمارك والصحة والبلديات، وهذه القطاعات أخضعت للأولوية في ما يتعلق بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد.
وقد تم بذل مجهود كبير في هذا الاتجاه، وهذه المجهودات ستؤتي ثمارها على المدى المتوسط، رغم تسجيل نقاط مهمة في القطاع الأمني الذي تراجعت الشكايات والتظلمات التي ترد إلى الهيئة ضده من 13 في المائة سابقاً إلى 6 في المائة عام 2019، مقابل صعود تظلمات وشبهات فساد في القطاع الزراعي.
لكن بحسب مؤشرات الخبراء، فإن قطاع الصفقات والشراءات العمومية هو أكثر القطاعات فساداً في تونس، وأعتقد أن المنظومات الإلكترونية لتنظيم عمليات الشراء الحكومية التي تم اعتمادها ستساهم بقدر كبير في الحد من فساد هذا القطاع.
وأضاف أنّ الهيئة تقول إن هناك تحسينات مهمة حصلت للحد من نفوذ المتعاملين الاقتصاديين ومساهمتهم في الفساد الإداري عبر دفع رشاوي أو غيرها للحصول على صفقات، ومنها صدور الأمر الذي ينص على معاقبة رجال الأعمال المتعاملين مع الدولة ممن تثبت عليهم شبهات فساد.
ونحن اليوم نحتاج إلى حوكمة أكبر في التصرف في المال العام، وتجفيف منابع الفساد، حتى نتقدم في الرتب العالمية ونحد من تداعيات الفساد على اقتصادنا المحلي.
و اكد الطبيب انه استنادا إلى تقارير هيئات الرقابة الحكومية والتقاطعات في الأرقام الصادرة عنها، يمكن القول إن الاقتصاد التونسي يخسر سنوياً نقطتين من النمو بسبب الفساد، وهذا رقم ضخم ويلقي بظلاله على الوضع المعيشي للتونسيين.
وأعلن إنه تقريبا في حدود 3 مليارات دولار سنوياً، موزعة على تهرب ضريبي، وسوء حوكمة، وكلفة المؤسسات الحكومية الخاسرة، وعدم استخلاص ديون الدولة من الفاعلين الاقتصاديين، سواء المتعلقة بالأحكام أو الضرائب الجمركية، وهي كلفة كبيرة جداً وتؤثر على التوازنات المالية للبلاد.
ـ و في سؤاله عن امكانية اعتبار خسائر المؤسسات الحكومية تندرج في إطار ملفات الفساد نفى ذلك واكد ان هذه الخسائر مردّها سوء حوكمة، ونفس الشيء ينطبق على المؤسسات المُصادرة، وهذا الملف يجب فتحه في أقرب وقت، لأن هذه المؤسسات كانت توفر 15 في المائة من الناتج المحلي للبلاد، وتحوّلت اليوم إلى مؤسسات مفلسة متهاوية، بسبب شبهات فساد وسوء تصرف مالي وإداري.
وفيما بتعلق بالأموال المنهوبة: اوضح الطبيب انه الى حد الان لا أحد يملك القيمة الحقيقية للأموال المنهوبة والمهربة، وهذا الملف يسوده التضارب وسوء الإدارة، وقد تم تعويمه لأغراض مصلحية وسياسية، وقد ينتهي الأمر بعدم قدرة البلاد على استعادة هذه الأموال نهائياً.
واثر ما راج عن تورط برلمانيين في عمليات فساد وان كان ذلك سيؤثر على العمل التشريعي قال الطبيب ان حصول أشخاص تحوم حولهم شبهات فساد على مقاعد في مجلس نواب الشعب هو نتيجة حتمية لعدم إصدار أي قانون لـ”تخليق” الحياة السياسية، وعدم تفعيل لجنة مراقبة تمويل الأحزاب، وعدم قيام هيئة الانتخابات بدورها في مراقبة المال السياسي، وهذا حتماً يمثل خطراً على البرلمان والتشريعات التي ستصدر عنه.
واوضح الطبيب ان الهيئة احالت نحو 1500 ملف فساد إلى القضاء، تضمنت قضايا خطيرة تهم ملف كبار المسؤولين في تبييض أموال وصفقات حكومية، وقد مكنت هذه القضايا من إعادة أموال إلى خزينة الدولة، وإبطال صفقات لمتعاملين اقتصاديين محليين وأجانب أيضا.
وبخصوص التوصيات التي رفعتها الهيئة لرئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ في اللقاء الاخير ، صرح الطبيب انه طلب من رئيس الحكومة المكلف أن تكون مكافحة الفساد أولوية في سياسة الدولة، وتفعيل دور المجلس الأعلى للتصدي للفساد واسترداد الأموال وممتلكات الدولة والتصرف فيها.
هذا بالاضافة الى الإسراع في إصدار الأوامر بتطبيق النصوص القانونية الخاصة بالإبلاغ عن الفساد وحماية المُبلغين والتصريح بالمكاسب والمصالح، وذلك تكريساً للشفافية والنزاهة في الحياة العامة. وكذلك العمل على تجريم الفساد والرشوة في القطاع الخاص، إلى جانب التعاطي بجدية مع ملف الاقتصاد الموازي، بهدف إدماج مكوناته ضمن المنظومة الاقتصادية والجبائية القانونية.
الجديد العربي