كلّ ما يحصل في العالم يشي بأنّ مركز ثقل العالم ينتقل من الغرب الى الشرق.
ومع كلّ خطوة بهذا الاتجاه تصبح بعض الدول والقوى والأسماء والرموز في خبر كان.
ليس فقط بولتون ونتن ياهو خرجا من المشهد وسيخرج معهما آخرون بل إنّ الكيانين السعودي والإسرائيلي، وهما كيانان وظيفيان، سيصبحان قريباً خارج التاريخ والجغرافيا ايضاً.
في هذه الأثناء إيران وروسيا والصين هي الدول الصاعدة وإليكم نبذة مختصرة من المشهد الصيني على ما نقول والمقبل سيظهر ويبان بيننا…
1- بدأت الولايات المتحدة بزيادة عدوانيتها، السياسية والأمنية والعسكرية، تجاه جمهورية الصين الشعبية منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي. حيث عملت على افتعال موجة احتجاجات وفوضى في العاصمة بكين في شهر حزيران 1989 وذلك في ما أصبح يُعرَف بأحداث ساحة تيانانمن، بهدف إسقاط الدولة الصينية، تمهيداً لتكريس الهيمنة الأميركية المطلقة على العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية.
2- لكن وعي الشعب والجيش والحكومة في الصين قد أسقط المؤامرة الأميركية الغربية الناتو ، ولكنه لم يُنهِ التوتر الذي حصل بين الطرفين إثر تلك المؤامرة. الأمر الذي دعا الحكومة الصينية الى البدء بوضع استراتيجية دفاعية معززة، لحماية حدود البلاد البحرية، المهدّدة من قبل الأساطيل الأميركية، سواء في بحار الصين أو في المحيط الهادئ، خاصة بعد ان افتعلت الولايات المتحدة وحلف الناتو، سنة 1995 ـ 1996، أزمة جدية حول جزيرة تايوان، من خلال دعمها المعلن لما سُمّي استقلال الجزيرة، المنشقة عن الوطن الأمّ، الصين، بدعم أميركي غربي.
3- قامت الولايات المتحدة، خلال تلك الأزمة، بنشر ثلاث حاملات طائرات اميركية مع كلّ السفن الحربية المرافقة لها، من مدمّرات وطرادات وزوارق وصواريخ وسفن إنزال وفرقاطات وغير ذلك. وهو إجراء رأت فيه الصين حشداً قتالياً يشير الى خطط لشنّ عدوان أميركي على أراضيها، مما اضطرها لاتخاذ سلسلة إجراءات عسكرية لمواجهة هذه الاخطار، خاصة على سواحلها الجنوبية.
4- أظهرت خطط القيادة العسكرية الصينية، التي وضعت لمواجهة وإفشال أيّ عدوان اميركي محتمل، بعض الثغرات في تسليح الجيش الصيني آنذاك، على الرغم من أنه كان قد خضع لعمليات تحديث وإعادة تسليح واسعة النطاق، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
الأمر الذي دفع القيادة الصينية لاحقاً لاتخاذ قرار بالإسراع في تحديث سلاح الجو وسلاح الصواريخ الصينيين على وجه خاص.
5- وانطلاقاً من هذا الواقع الميداني، من الحشود الأميركية الهائلة وما رافقها من تهديدات للصين وكوريا الشمالية أيضاً، فقد قرّرت القيادة الصينية اتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لتعزيز أمنها البحري بشكل خاص، أيّ أمن مياهها الإقليمية، وذلك من خلال تعزيز قدراتها الدفاعية البحرية، في المناطق المحظورة الدخول على القوات المعادية والتي يطلق عليها اسم : A2AD Anti access aria denial بالإنجليزية. وذلك لمواجهة أيّ هجوم بحري أميركي محتمل.
6- ترجمت القيادة الصينية إجراءاتها الفورية تلك بعقد صفقات تسلُحٍ كبيرة مع روسيا، حيث اشترت الصين عشرات مقاتلات التفوّق الجوّي/ السيطرة الجوية/ الروسية الأكثر حداثة، من طراز سوخوي 30، وذلك الى جانب ما كانت تقتنيه الصين، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، من مقاتلات سوخوي 27، التي بدأت بإنتاجها محلياً تحت اسم J 11- B.
عززت طائرات السوخوي 30 هذه، المسلحة بصواريخ KH – 31 المضادة للسفن، الدفاعات البحرية الصينية بصورة فعّالة جداً، مما وضع الأسس الدفاعية المتينة للبدء في إقامة سلسلة الجزر الصناعية في البحار الصينية المختلفة، خاصة بعد تقديم الولايات المتحدة وحلف الناتو دليلاً جديداً، على خططهم العدوانية تجاه الصين، وذلك عندما قصفوا السفارة الصينية في بلغراد ودمّروها، ابان عدوانهم على جمهورية صربيا سنة 1999.
7- وعليه… فإننا نجزم أنّ إفشال مؤامرة إسقاط الدولة الصينية سنة 1989 وما تبعه من إجراءات صينية، هو مَن عزّز ثبات الدولة وصمود الشعب، والخطوة التي كانت هي الأساس في القفزة الاقتصادية الهائلة، التي حققتها الصين، في مجال الصناعة والتكنولوجيا والتجارة خلال العقدين الماضيين.
هذه القفزه، المرتكزة الى وسائط دفاع برية وجوية وبحرية/ قاتل حاملات الطائرات DF – 26 /مثالاً، هي التي تفرض إنهاء الهيمنة الاقتصادية الأميركية على أسواق العالم، الى جانب أسباب أخرى طبعاً، وهي التي دفعت الرئيس الأميركي ترامب الى إعلان الحرب التجارية على جمهورية الصين الشعبية، بعد أن فشلت جهود واشنطن والناتو العسكرية لإسقاط الدولة الصينية وإخضاع الصين.
8- وبنظرة سريعة لمسرح المواجهات الدولية الحاصلة حالياً، بين محور الهيمنة وسياسة القطب الواحد من جهة، وبين محور العلاقات الدولية السلمية، القائمة على احترام قواعد القانون الدولي وسياسة تعدّد الأقطاب، نقول إنّ نظرة سريعة على هذا المسرح تؤكد أنّ سياسات العقوبات المالية والاقتصادية، التي تمارسها الولايات المتحدة، ضدّ روسيا والصين وكوبا وفنزويلا وإيران بشكل أكثر عنفاً وصرامة ليست سوى تعبير عن إفلاس وفشل كاملين للسياسات العدوانية لواشنطن وحلف الناتو.
فشل استراتيجي سيؤسّس لتغيير استراتيجي في العلاقات الدولية نظراً لما تركه هذا الفشل من تغيير جوهري في موازين القوى الدولية، التي تحكم او ستحكم مخرجات هذا الصراع الجيواستراتيجي الدولي على صعيد العالم .
أتى أمر الله فلا تستعجلوه.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…