– من دون ان تحتاج إيران الى إعلان أيّ خطوة تصعيدية أو تبنّي أيّ عمل أمني، ومن دون ان تضطر لحشد قواتها وإغلاق مضيق هرمز أو التصدي للقوات الأميركية فيه، أو إيقاف ناقلات النفط ومنعها من العبور، صار العالم معنياً بالاختيار بين التفاهم مع إيران منعاً للانزلاق الى الحرب، أو التفاهم معها منعاً لانهيار سوق النفط واندلاع حرب أسعار غير مسيطَر عليها، وهكذا ادّى التوتر مع إيران الى ظهور درجة من الفوضى الأمنية في حال المنشآت النفطية كانت كافية لتوجيه الإتهام لإيران والذهاب للحرب معها، لكن من كانوا يقولون بالحرب عندما بلغوا لحظة الضغط على الزناد تهيّبوا النتائج فتراجعوا، وباتوا يتحدثون عن انتظار نتائج التحقيق، ومن يريد حرباً لا ينتظر تحقيقاً بل يكتفي بالاتهام السريع ويبني عليه قرار الحرب، فما عاد من مكان للتهديد الأميركي تحت عنوان من يمسّ قواتنا ومصالحنا ومصالح حلفائنا سيلقى الردّ العسكري، ولا عادت اللغة تقوم على انّ ما يقوم به وكلاء إيران كما تسمّيهم واشنطن ستدفع إيران ثمن أفعالهم، فتضطر السعودية التي سبق وقالت انّ الهجمات اليمنية على خطوط النفط عدوان على التجارة العالمية وعلى الأمن والسلم الدوليين، وأمن الطاقة، خرجت وسائل الإعلام المحسوبة على السعودية للحديث عن جماعات داخلية سعودية تقف وراء التفجيرات، وتحوّلت الأحداث الخطيرة الى مجرد أعمال مشاغبة لا قيمة لها .
– في سوتشي غابت أحداث الفجيرة وغابت تفجيرات خطوط النفط السعودي عن كلام وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، وعندما سئل عنها قال إنه ينتظر التحقيق نافياً كلّ كلام عن حشود إضافية في الخليج، الحشود التي اعتبرها الرئيس دونالد ترامب لاحقاً أنباء زائفة، وبرغم كلّ الكلام عن الضغط ومواصلة العقوبات حتى تأتي إيران الى التفاوض وفقاً لدفتر الشروط الأميركي، يدرك بومبيو أنّ العقوبات والضغوط رفعت منسوب التوتر وصولاً للمشهد الراهن الذي سيستمرّ ما استمرت الضغوط والعقوبات، والكلام السعودي عن جماعات داخلية لا يغيّر من حقيقة إمكانية تكرار العلميات، وتوسّعها، ولا يستبعد ان تطال المنشآت الإماراتية لاحقاً كما قال البيان الصادر عن اللجان الشعبية في اليمن، وفسحة التنفس التي أمّنتها لقاءات سوتشي بدعوات التهدئة غير قابلة للاستمرار دون التوصل لضوابط وقواعد اشتباك يرضى بها الطرفان الأميركي والإيراني إذا فشلا في التوصل للتفاهم الشامل مجدّداً.
– بعد الذي جرى يعرف الأميركيون أنّ التصعيد الأمني في مواجهة أيّ تحرك إيراني، أو تحرك يمكن ان يلحق الأذى بالمصالح الأميركية ومصالح حلفاء أميركا أو تحرك ينسب لحلفاء إيران، سيعني منح إيران ما تريد لجهة إطلاق مسار التدهور والانهيار في أسواق النفط، وإثبات أنّ حرمان إيران من قدرة المتاجرة الحرة في سوق النفط سيجعل كلّ المتاجرة النفطية في خطر، وسيجعل الجنون سيد الموقف في أسواق النفط، وفي المقابل يعرف الأميركيون أيضاً انّ الحرب النفسية التي أرادوها من حشد قواتهم في الخليج قد فشلت في تحقيق الهدف المرجو منها وهو الردع وليس الحرب كما قال الأميركيون في بياناتهم اللاحقة، ومعلوم انّ الحرب النفسية والردع لا يتحققان إلا لمن يقدر على تحمّل كلفة شنّ الحرب، والواضح انّ واشنطن تدرك عدم قدرتها على شنّ الحرب وتحمّل كلفتها.
– العالم يدخل تحت ايقاع غباء جون بولتون وعنجهية دونالد ترامب وغياب ايّ قيادة محترفة في مركز القرار الأميركي، بين معادلتي التفاهم مع إيران لصياغة استقرار دائم في الخليج أو التفاهم مع إيران على ضوابط تمنع التصعيد، ايّ تفاهم الحدّ الأقصى وتفاهم الحدّ الادنى، وكلّ منهما اسمه تفاهم، ويحتاج رضى إيران، ومن أراد القول إنّ العالم سيكون أشدّ أمناً واستقراراً بالعداء لإيران يعترف اليوم بصمته بأنّ التفاهم معها بات شرطاً لهذا الاستقرار.