تتوزع الأدفاق السياحية بشكل غير متساوٍ على سطح الأرض. من الواضح أن هناك مناطق جذابة، وأخرى أقل جاذبية وأخرى ليست كذلك على الإطلاق. عندما يتعلق الأمر بفهم سبب تحول بعض المواقع إلى مواقع سياحية ولماذا يتردد البعض على هذه المواقع أكثر من غيرها. تشير الدراسات عمومًا إلى وجود موارد نادرة واستثنائية. الفرضية الأساسية هي أن كل موقع له صفات جوهرية وموضوعية تحدد طابعه السياحي. فما هو مفهوم العرض السياحي و الجاذبية السياحية؟
اختلف مفهوم العرض السياحي في عدة دراسات سياحية و سنكتفي في هذا الدرس بعرض المفهومين الأكثر شيوعا في هذا المجال. بعض الدارسين يطلقون عليه تسمية “الموارد السياحية” و بعضهم الآخر يطلقون عليه مصطلح “العرض السياحي” رغم تشابه العناصر المكونة لهما.
1- الموارد السياحية
توصلت جل الدراسات التي اهتمت بالعرض السياحي وبالجاذبية السياحية بشكل عام إلى ثلاثة أنواع من الموارد: الموارد الأولية والثانوية والتكميلية:
1.1- الموارد الأولية
تشمل الأولىجميع المواقع (موقع طبيعي، موقع أثري، متحف،…)، أنشطة (أسواق، مهرجانات،…) أو خصائص (أشعة الشمس، المناظر الطبيعية، فن الطهي،…) للإقليم الذي يمثل وجهة للسياحة، بعبارة أخرى، تحفز السفر من مكان الإقامة المعتاد لأغراض الترفيه، وبالتالي تلعب دورًا محفزًا للممارسات السياحية.
2.1- الموارد الثانوية
تجمع بين عناصر (المواقع، الأنشطة، والخصائص) لإقليم ما في خدمة السياحة الناتجة عن الموارد الأولية والتي لا تكون في خدمة السكان. وهي تشمل بشكل أساسي العناصر المتعلقة بإمكانية الوصول (المعلومات، واللافتات، ومواقف السيارات،…)، والمطاعم و الإقامة.
3.1- الموارد التكميلية
هي العناصر الإضافية التي تضاف إلى مجموعة الخدمات المقدمة للسياح. وهي تتكون بشكل خاص من المحلات التجارية والمساحات الخضراء أو تجهيزات الترفيه…
2- العرض السياحي
يتكون العرض السياحي من سلسلة من العناصر التي تجمع جميع خدمات المؤسسات السياحية و التجهيزات المرافقة أو الداعمة التي يسميها بعض المختصين في السياحة (Defert (P) و Staurakis (D) و غيرهما…) “العرض السياحي المشتق“« l’offre touristique dérivée ». و يعتبر البعض الآخر أن عوامل الجذب الأولية لتلك العناصر تشكل “العرض السياحي الأولي“« l’offre touristique originelle ». لا تكون لهذه العناصر في الأصل أية علاقة فيما بينها، لكن استغلالها في الجذب السياحي جعلها مكونا أساسيا في العرض السياحي حيث أصبحت تشكل موارد “المواد الأولية” السياحية التي بدونها لا يمكن تحقيق أي عملية إنتاجية.
“عرض السياحة المشتق” هو مجموعة من عوامل الجذب المترابطة التي تجمع معًا أماكن الإقامة السياحية والخدمات المصاحبة أو الداعمة أو شبه السياحية لذلك نقسمه إلى مجموعتين:
– تتكون الأولى من عرض الإقامة الذي يعتبر المكون الرئيسي للعرض السياحي والذي ينقسم بدوره إلى مجموعتين فرعيتين: الإقامة الفندقية والإقامة خارج الفندق. يطلع الأول بالدور الأساسي للإقامة لذلك يحظى باهتمام غالبية الدراسات المتخصصة في السياحة؛
– تتكون الثانية من خدمات مرافقة أو شبه سياحية و تجهيزات مرتبطة مباشرة بالسياحة تنتمي إلى قطاعات مختلفة والتي سيتم دراستها بشكل منفصل.
هناك بالفعل ترابط وتكامل معين بين خدمات المؤسسات السياحية المختلفة (الفنادق، النقل، الحرف اليدوية، مراكز الترفيه، المطاعم،…).يحدد(Staurakis D) عرض السياحة المشتق كمجموعة واحدة ولا يقسمه. بالنسبة لهذا المتخصص السياحي، فإن أي عرض سياحي بخلاف العرض الأصلي هو عرض مشتق. يقسّم معظم المتخصصين في السياحة عرض السياحة المشتق إلى قسمين: الإقامة من ناحية، والأنشطة والمرافق السياحية من ناحية أخرى. لا يمكن لهذا العرض تلبية الطلب السياحي لوحده بل يجب أن يتكامل مع المكونات المختلفة للعرض السياحي الأصلي.
يمثل البعض عرض المنتوج السياحي على أنه “مجموعة عوامل جذب” لا تميز بين العرض الأصلي والعرض المشتق حيث تتداخل جميع مكونات المنتوج السياحي وتكمّل بعضها البعض. يمكننا التمييز بين ستة عناصر تقريبًا:
• العناصر الأساسية المكونة للمحيط المباشر، أي العناصر الطبيعية (الموارد، البحر، الجبال، الشط، الصحراء…) أو تلك التي خلقها الإنسان (المواقع الأثرية، القرى القديمة،…) ؛·
• السكان المحليون الذين يتعامل معهم السياح لهم دور أيضا المنتوج السياحي ؛· • تعتبر مرافق والترفيه الجماعية عناصر للتمتع الذهني والحسي، مثل الأنشطة الرياضية والألعاب وما إلى ذلك، والتي تلعب دورًا مهمًا في تنويع المنتوج السياحي.·
• مرافق الإقامة والمطاعم التي تحدد جودة المنتوج السياحي من حيث الخدمات و أسعارها (تعطي هذه العناصر المنطقة السياحية طابعها النخبوي أو الشعبي) ؛·
• البنية التحتية للنقل والاتصالات التي تضمن الانفتاح وسهولة الوصول والتجارة وبالتالي تلعب دورًا هامًا للغاية في تسويق المنتوج.·
• الصورة المكونة من جميع العناصر المذكورة أعلاه بشكل منفصل أو “مجمعة“.المنتوج السياحي هو نتاج لخصوصية مميزة، حيث يتميز بتعدد مكوناته و الأطراف المتدخلة فيه. تؤثر هذه الطبيعة المعقدة للمنتوج السياحي على تسويقه وتجعل تحقيق تناسقه تنوعه أمرًا صعبًا.
بعد هذا العرض الموجز لبعض تعريفات العرض السياحي، اخترنا في درسنا هذا أننقسم هذا العرض إلى ثلاثة مكونات أساسية، وهي عرض الجذب السياحي الأولي، من ناحية، وعرض الإقامة السياحية و الخدمات و التجهيزات السياحية الموازية، من ناحية أخرى.
Fathy Boulifa :Le tourisme saharien et le développement régional dans le Sud-Ouest Tunisienالمصدر:
Thèse du doctorat (2010), FSHST, p 88.
1.2- عرض الجذب السياحي الأولي
إن “المواد الأولية الخامة” أو عناصر الجذب السياحي الأولية هامة للغاية لنجاح العملية الإنتاجية في مجال السياحة. كلما زاد وعي المتدخلين في قطاع السياحة على المستويين الوطني والإقليمي بأهميتها، كلما تضاءلت مخاطر هذه العملية.يوفر المحيط الطبيعي والبشري عوامل جذب سياحية حالية ومستقبلية للسياحة، فهي تحفز فضول السياح الذين يرغبون في منتجات أخرى غير سياحة الإقامة المستقرة.هكذا يصبح المناخ والصحراء والمتاحف والعادات … سلعًا منتجة بشكل مباشر من خلال عملية إدماجها في الدائرة الاقتصادية. و بالتالي، يتوافق كل مورد مع عدد معين من الأنشطة المنتجة.يمكن تقسيم عناصر الجذب السياحي الأصلية إلى 3 مجموعات:العناصر الطبيعية، العناصر التاريخية والتراث و التظاهرات الثقافية.
2.2 – عرض الإقامة السياحية
يمثل هذا المكون من عرض السياحة المشتق حتى يومنا هذا، على الرغم من التغيرات المتسارعة في السياحة، العنصر الأكثر هيكلة في المجال السياحي ومكونه الأساسي. ولهذه الأسباب أيضًا تحظى باهتمام الدارسين و تعتبر المحدد الرئيسي في نجاح أو فشل النشاط السياحي.يشمل عرض الإقامة السياحية الإقامة الفندقية و الأقامة خارج الفنادق (غير الفندقية).
– الإقامة الفندقية
يعد عدد الأسرة المتوفرة في الوجهة متغيرًا مهمًا لأنه يحدد الحد الأقصى لعدد الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا موجودين في نفس الوقت في موقع سياحي. تتميز مؤسسات الإقامة السياحية قبل كل شيء بتنوعها: يوجد اليوم ما لا يقل عن خمسة عشر (15) صنف من النزل في العالم. في البلاد التونسية يقتصر الديوان الوطني للسياحة التونسية على 8 أصناف: 5*، 4*، 3*، 2*، 1*، القرى السياحية، الإقامات العائلية و النزل غير المصنفة.يعبر التصنيف عن مستوى من الراحة والخدمات و يتم وفقًا لمعايير متغيرة جدًا من دولة إلى أخرى. وهو أيضًا متغير استراتيجي من حيث أنه يحدد جزئيًا نوع السياح وسعر الغرف.
– الإقامة خارج الفنادق
نظرًا لضعف توفر الإحصائيات والدراسات المتخصصة في الإقامة خارج الفنادق في تونس وكذلك في العالم، لا تزال الخصائص والتوزيع المجالي للإقامة خارج الفنادق مهمشة مقارنة بالإقامة داخل الفنادق. في البلاد التونسية لا يحصي الديوان الوطني للسياحة التونسية (ONTT)، المزود الرئيسي للإحصائيات السياحية في البلاد معطيات حول المنازل الثانوية، و المخيمات و الإقامة في مضيفات الشباب… لكن منذ سنة 1999 أصبحت تدمج احتساب طاقة الإيواء في المخيمات في النزل غير المصنفة.
3.2- الخدمات و التجهيزات السياحية الموازية
يطلق عليها البعض من الباحثين العرض شبه السياحي و البعض الآخر العرض السياحي الموازي وهو جزء من العرض السياحي المشتق، لكننا اخترنا مصطلح الخدمات و التجهيزات السياحية الموازية لأنه أكثر بساطة و شمولية. مهما كان المصطلح المعتمد، تلعب هذه الأنشطة والمرافق و التجهيزات دورًا أساسيًا في تطوير و تنويع النشاط السياحي، و تضمن التكامل بين مختلف مكونات العرض السياحي.
الأنشطة و الخدمات شبه السياحية والتجهيزات التي سيتم دراستها في هذا العنصر هي النقل و مختلف مواقع الترفيه و محلات بيع الصناعات التقليدية والمتاحف والفعاليات الثقافية والترفيهية.
يجسد النقل الدور المزدوج المتمثل في ضمان الربط بين الطلب والعرض السياحي للإقامة والربط بين المكونات المختلفة لهذا العرض الشامل. يعتبر التفاعل بين السياحة والنقل أحد أنجح الترابطات الاقتصادية والتكامل الاقتصادي في البلاد التونسية، ولا سيما تفاعل وكالات النقل الجوي والسفر مع السياحة. ساهم هذان النشاطان بشكل كبير في تطوير السياحة التونسية واستفادا بشكل كبير من هذا النشاط. مع ملاحظة قلة اندماج وسائل النقل البحري والبري الأخرى، بما في ذلك النقل بالسكك الحديدية، في النشاط السياحي.
لكي يلعب النقل دوره بالكامل، فإنه يتطلب بنية تحتية مناسبة مثل المطارات والموانئ والطرقات السريعة والسكك الحديدية وما إلى ذلك وأسطولًا من وسائل النقل المريحة. يمكن أن يكون النقل فئة منفصلة من السياحة مثل “الرحلات البحرية“Croisières .
على الرغم من ظهور تقنيات جديدة لتوزيع الطلب السياحي عبر الشبكة العنكبوتية و خاصة تلك الخاصة بمنظمي الرحلات السياحية، فإن دور وكالات السفر يظل مهمًا للغاية في السوق السياحية، من خلال ضمان الربط بين الطلب والعرض السياحي. كما ساهمت وكالات السفر في تطوير صناعة “الجولات الشاملة“.
كما تلعب المنتزهات الترفيهية والأنشطة الرياضية دورًا رئيسيًا في تنويع العرض السياحي، وتستقطب السياح و تمدّد في مدة إقامتهم وتشكّل حافزا للعودة لتلك الوجهة السياحية. كما يرتاد السياح المحميات الطبيعية وحدائق الحيوانات و المتاحف كما يستمتعون بحضور التظاهرات الثقافية و يتردّدون على محلات الصناعات التقليدية للتسوق و المطاعم السياحية لتذوق الأكلات المحلية لتلك الوجهة السياحية.
رغم تعددت مفاهيم العرض السياحي، نجد في أغلبها تقاطعات و تشابه. يعود ذلك التعدد إلى تعدد الدراسات التي اهتمت به و بأهميته في العملية السياحية. يعتبر البعض من الباحثين أن تعدد و اختلاف مفاهيمه يعودا إلى ثرائه و تنوعه. في بعض البلدان أصبح الباحثون يطلقون على مكونات العرض السياحي و تنوعها مصطلح “المنتوج السياحي” الذي سنخصص له الدرس التالي. فكيف يتنوع المنتوج السياحي؟
* أستاذ باحث في الجغرافيا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، جامعة سوسة