قديما كان للغرب وسيلة واحدة في إخضاع الشعوب والسيطرة عليها، وهي استعمال القوة العسكرية، فتصبح بموجبها تحت سلطتها، فتتمكن من استغلال مواردها، وامتهان شعوبها، لكنّه وبقدر استفادة هذا الغرب المتدثّر بدعاياته المضللة، في تمرير مشاريعه الإستعمارية تلك، بقدر ما عانى من نتائجها وآثارها، بعد استفاقة طلائع تلك الشعوب، ومباشرتها لحركة مقاومة وطنية صادقة ضدّه، تسببت في إجلاء قوات غاشمة ظالمة ومستكبرة، عن بلدان طالما عانت من وجودها على أراضيها منتهكة أعرافها، ومستهترة بعقائدها وأحكامها.
وطبيعي أن تُخطط الدّول الإستعمارية لإحتواء حركات مقاومة تلك الشعوب، باغتيال قياداتها الوطنية، من أجل فسح مجال قيادات عمٍيلَةٍ أُنِيطَت لها مهامّ مواصلة التذيُّلِ والإنبطاح، وخدمة مصالحها في تلك البلدان، والمحافظة عليها في كل الظروف والحالات، دون مراعات لأي مصلحة وطنية تقتضيها وظائفهم على رأس تلك الدّول، وكانت دول الغرب تدرك جيّدا، وهي صاحبة تجربة في ذلك، أنّها بعملائها الذين وظّفتهم لخدمتها، سيأتي زمن تنكشف فيه مؤامراتها ويتعرى عملاؤها، وكان لابد لها من بدائل لهؤلاء الخونة، الذين إنْ لم يلعنهم التاريخ بتواطؤ كُتّابه نشأنهم، فإنّ أحرار تلك الشعوب تلعنهم صباحا ومساء وكل حين، على ما تسببته سياساتهم من خسائر فادحة لأوطانهم، أفضت بهم إلى حال من الذلّ والإنكسار، أمام مواصلة الغرب تغوّله الإقتصادي وتمركزه الصناعي والعسكري، على حساب بقية دول العالم المستضعف.
انكشاف وتعرّي سياسات الغرب القديمة، استوجبت طرح سياستين جديدتين، لتكون بدائل عن القديمة، مع إبقاء بعض حالاتها قيد الفِعْلِ، كما هو حاصل في السّودان، ولا يزال الشعب السوداني يعاني من تبعاتها إلى اليوم، لعدم نضج وفهم طلائعه ما يتوجّب عليه فعله النّاجع والعمليّ، لمواجهة طغمة عسكرية عميلة وخبيثة في نفس الوقت، وضعت كل آمالها وإمكانياتها في خدمة من يدفع أكثر، من الدول الإستكبارية والأنظمة العميلة لها، سياسة ممارسة الإرهاب الدولي المنظّم، سواء أكان ضغطا استكباريا من قوى كبرى، لفرض إملاءاتها وشروطها وإنفاذ أحكامها على الدّول الضعيفة، أو مجاميع إرهابية، تأسّست بدعم غربي لتأزيم الوضاع في الدول المستهدفة بتغيير سياساتها، لتكون في خدمة مشاريع الغرب وتوجّهاته الصهيونية في المنطقة.
لقد حقق المشروع الإرهابي في الشرق الأوسط هدفه، في خلق أزمة بين طوائفه الدينية المتعددة بالعراق وسوريا ولبنان، وقد كانت قبل ظهوره متعايشة مع بعضها في أمن وأمان، ومن ذلك تولّدت عقليّة الإنفصال العرقي والطائفي، لدى من نشأت بداخله دابّة الإرهاب التكفيري، واحتضنها شبابه كأنها وحيٌ نازل من السّماء، تصديقا بشعاراتها الجوفاء، فركبوها بكلّ طواعية، كأنها الحلّ الناجع لأوضاعهم الإجتماعية والإقتصادية المتردّية، وفيهم من لم يلتفِتْ إلى اليوم بأنه وقع ضحيّة مؤامرة خسيسة، استهدفت مستقبل بلاده وزعزعت استقرارها، لفائدة دول الغرب الإستعمارية، ومازال متعلّقا بأستار وهمها.
ولولا فضل النظام الإسلامي في إيران، الذي وقف بكل حزم وقوة في مواجهة هذه المشاريع الثلاثة، وقاومها انطلاقا من فكر قيادته العلمائية بدءً من الإمام الخميني رحمه الله، الذي كان بحق حبل نجاة شعبه والأمة الاسلامية منذ ظهوره، وقيادة ثورته الإسلامية المباركة، ونجاحه في نشر ثقافة الثورة الحسينية، القائمة أساسا على الإصلاح واقع الأمّة المتردّي، لكانت أوضاع عالمنا أسوأ مما هي عليه الآن.
بإسقاط رأس العمالة في الأمّة الاسلامية شاه إيران، أفضت بنا حركة الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى مرحلة نشر ثقافة الثورة الإسلامية، بكشف العمالة والعملاء، وتعرية كل عميل في المنطقة، والدّفع بطلائع شعبه لمحاربته شخصا ونظاما، فكان صحوة الشعب المصري التالية، بقتل العميل الصهيوني أنور السادات- بعدما أقدم بشكل مفاجئ على التطبيع المباشر مع الكيان الصهيوني – في عملية بطولية أقدم عليها ثلة من المجاهدين الأبرار، تركت رضا ومباركة في قلب كل من تابع ذلك الحادث، وكان تعبيرا صادقا نابعا من كل حرّ وشريف في مصر الكنانة.
وبالقضاء على دابة الإرهاب الوهابي التكفيري، الذي تمّ بفتوى الجهاد الكفائي (15/6/2014)- التي تأسس بفضلها الحشد الشعبي – من مرجع العرق السيد السيستاني(1)، وبمتابعة ورعاية من الولي الفقيه السيد علي الخامنئي(2)، تخلّصت العراق وسوريا ولبنان من أخطر بلْوى أصابت هذه البلدان، ولولاهما لكانت داعش اليوم مسيطرة على مناطق شاسعة منها، بما يزيد من خطر تمددها إلى مناطق ودولٍ أخرى، وهذا الإنجاز الذي تحقق بقيادة حكيمة، وبواسطة سواعد وعقول وعزائم رجال أبرار، من أمثال الشهيد قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، أنهى مشروعا خطيرا جدّا، كان يستهدف تفتيت المكوّن الديمغرافي الديني والعرقي في المنطقة، لفصل تلك المكونات عن بعضها، ووضعها في مواجهة بعضها البعض، لمزيد إضعافها حتى تكون سهلة الإنقياد، من طرف قوى الغرب بزعامة أمريكا، ومشروعها في شرق أوسط جديد، يهدف للوصول بالبلدان المعنية إلى هذه الحال من الخضوع والرّضا بالدّون.
بالإمكان القول اليوم – وإن بقيتْ باقية من الارهاب التّكفيري يد الغرب الباطشة بالمنطقة الآسلامية- أنّ المشروع الثاني الممهّد لخاتمة مشاريعه الخبيثة قد سقط، ولم يعد له ذلك الحجم المهدد لدولنا، بعد السيطرة عليه وهزم كيانه في الموصل والرّقة(3)، لذلك فإن محاولات أمريكا الدّفع بالأكراد إلى المرحلة الختامية في تقسيم سوريا والعراق، ومن ورائهما إيران وتركيا، لا تتعدّى كونها عمل إنتحاري لن يكتب له النجاح، وإن استجاب الأكراد للمؤامرة – وهذا أمر مستبعد عموما – فإنّهم سيكونون ضحايا تخريب أمريكي جديد في المنطقة الإسلامية، سيعود عليهم بالوبال حتما، حلم الانفصال الكردي يبدو بعيدا وليس في متناول الأكراد ولكنه قد يأتي وسوسة أمريكية، حسب ما تقتضيه مصلحتها، وما يتوفّر لأجهزتها من عملاء مستعدّون للإنخراط في مشروع فتنته الجديدة، الأيّام القادمة كفيلة بكشف آخر ورقة يلعبها الأمريكي ضدّ أربعة دول، ترى أن أي شكل من أشكال التحرك الكردي من أجل الانفصال، خط أحمر غير قابل للإجتياز، ومن يحاول خرقه سيلقى نهاية لا تسرّه أبدا.
المصادر
1 – زعيم نبض العراق .. من هو السيد علي السيستاني؟
https://www.dw.com/ar/-56775667
3 – سليماني يعلن نهاية داعش برسالة لخامنئي ويشكر الحشد وحزب الله والأفغان
https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/11/21/solimani-letter-iran-isis