القتل بذاتِهِ هو إزهاق الروح دون وجهِ حقٍّ ولا قصاصاً وهي جريمة ثابتة في جميع الأديان السماوية وكذلك في جميع القوانين حول العالم لأن الفطرة الإنسانية السليمة والسليقة القويمة تدرك الخطأ من الصواب جيّداً دون الحاجةِ إلى تعليمات الدين فحتى المجتمعات اللادينية تدرك أن هذا فعلٌ قبيحٌ مستنكر. و تكمن علة تجريم القتل لحفظ حق الإنسان في الوجود و الحياة و بالتالي حماية المجتمع لغرض استمراره وبقاءه لأن وجود المجتمع مرتبط بوجود أفراده.أما “القتل الرحيم(Euthanasia) فقد عرَّفه قاموس أوكسفورد بآنه:(قتل غير مؤلم لمريض يعاني من مرض مؤلم وغير قابل للعلاج) بتعبير آخر هو إنهاء حياة بعض المرضى الميؤوس من شفائهم طبياً أو ذوي الإعاقة الدائمة الذين يرون أنفسهم عالةً على أسرهم و مجتمعهم أو يرغبون في التخلص من الألم المستمر أو التكاليف و النفقات الباهضة. فهي فكرة تعود في أصلها إلى الغرب حيث فلاسفة اليونان القدماء فقد تطرّق أفلاطون لهذا الموضوع بقوله : (إن لكل فرد الحق في أن يعيش في ظل الدولة ولكن ليس الحق في أن يعيش حياته بين المرض والعقاقير) أي إنه يدعو إلى فكرة البقاء للأصلح وأن الذين تنقصهم السلامة الجسمانية ينبغي أن يتركوا للموت، وأطلق سقراط على هذا الشكل من الموت اسم “التدبير الذاتي للموت بشرف”. ويكون القتل الرحيم بناءً على طلب المريض من الطبيب في أن يضع حدّاً لمعاناته وسقمه الشديد، ويقسم الأطباء هذا الموت على قسمين رئيسين هما :
1-قتل الرحمة “الإيجابي”:هو تسهيل الموت الفعال من خلال قيام الطبيب بإجراءٍ يؤدي إلى إنهاء حياة المريض الميؤوس من شفائه والذي يعاني من الألم وحالات الإغناء وفقدان الوعي فيطلب من الطبيب بإلحاح أن ينهي حياته ومعاناته وتتولد نتيجة لذلك عند الطبيب دوافع من الشفقة ممزوجة بالتعاطف فيعطيه جرعة عالية من بعض العقاقير التي توقف جهازه التنفسي عن العمل فيموت فوراً.
2-قتل الرحمة “السلبي”:هو أيضاً تسهيل الموت وتسهيل وفاة المريض الميؤوس من شفائه لكن من خلال عدم إعطائه العلاج، أو بإيقاف جهاز التنفس، أو عدم وضعه له حين يحتاج إليه المريض، أو عدم إعطائه العقاقير التي تعالج الأمراض الأخرى، وقد يتدخل الطبيب برفع أجهزة الإنعاش التي يجمع الأطباء على أنه حتماً سيفارق الحياة بسبب تلف جذع الدماغ وذلك كله بناءً على طلب من المريض طبعاً.
ويوجد قسمٌ ثالثٌ يضافُ إلى القسمين أعلاه وهو “القتل غير المباشر” الذي يُنفَّذ بإعطاء المريض عقاقير لتهدئة الآلام، و مع الوقت سنلاحظ نشوء مضاعفات جانبية سلبية تؤدي إلى إحباط عملية التنفس وتثبيط عمل عضلة القلب وأخيراً الموت. ويشمل القتل الرحيم أيضاً القتل غير الطوعي أي الذي يتم دون استحصال موافقة المريض بالضرورة بسبب عدم قدرة الشخص على الطلب المباشر إما لكونه فاقداً للوعي أو عاجز عقلياً أو عاطفياً والذي يتضمن الأطفال في هذه الحالة.
من أوائل الدول التي أجازت “القتل الرحيم” هي هولندا في عام ٢٠٠١، وبلجيكا عام ٢٠٠٢ وقبلهما كانت ولاية أوريغون الأميركية أول الولايات في أميركا التي تبيح الانتحار بمساعدة الطبيب في عام ١٩٩٧، وبعدها في عام ٢٠٠٩ اعترفت المحكمة العليا لكوريا الجنوبية و أقرّت ب”الحق في الموت بكرامة” عندما وافقت على طلب أسرة امرأة مريضة تعاني من موت الدماغ بأن تتمَّ إزالة أنظمة دعم الحياة عنها.
أما إذا أردنا التحدث عن هذا القانون من وجهة نظر المجتمعات الشرقية الإسلامية فسنجدها قطعاً بأجمعها تتفق على عدم شرعية هكذا قوانين أبدا، ومهما كان المسوّغ والمبرّر لعدّة أسباب، منها:
-يُعدُّ هذا تجاوزا، على حرمة النفس الإنسانية التي يُمنع إزهاقها لأي سبب كان بصريح آيات القرآن الكريم:- ( مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُون).سورة المائدة/٣٢.
(وَ لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بالحَقِّ ذلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُون).سورة الأنعام/١٥١.
-لم يرِد أبداً في أي شريعة سماوية إباحة القتل تحت أي مسمى ومهما كان الدافع أو المبرر وقتل المريض بدافع الشفقة هو تدخل في شؤون الإله وتدبيره وعدم تسليم الأمور وتفويضها إليه فقد تقتضي حكمته ومشيئته تعالى أن يشفى ويتعافى هذا المريض فيما بعد، وهل يمكن أن يضع الطبيب نفسه في موضع يكون هو فيه أقرب إلى الرحمة والشفقة على العباد من ربهم وخالقهم؟! وهل هناك أرحم على العبد من ربه؟!.
أنا أجد هذا القانون شيئاً لا يُعقل أبداً قد ابتدعه وجاء به من يريد أن يتخلص من عبأ الناس المرضى أو كبار السن على كاهله وهو تفكير مادي صرف، وغاية البشاعة ومنتهى الفظاعة أن يُربَطَ حق البقاء لإنسان بمدى إنتاجيته وإبداعه فمتى ما صار عديم الإنتاج لا قدرة له على الاعتماد على نفسه في سد احتياجاته الأساسية جاز أن نتخلّص منه بدعوى “الشفقة” و “الرحمة”، فضلاً عن أن تشريع هكذا قوانين ذو مردود سلبي جداً على المجتمع البشري عموماً فهو يوسّع دائرة القتل بحججٍ واهية وليست تلك إنسانية من الطبيب كما توصَف من قبل المؤيدين لهذا القانون، بل هو مجرّد تصرّف وسلوك يرضي أهواء شخصٍ مريضٍ في حالة انفعالية طلب الموت لكي يرتاح من آلامه لكن في قرارة نفوس البشر لا أحد منهم يرغب بالموت و ربما كانت هذه بدعة للتخلص من العبأ الاقتصادي على المجتمع والدولة الذي يتسبب به وجود مريض على أجهزة الإنعاش و قد يطول بقاؤه.
وكما يقول نيكولاس غوميز دافيلا : (الكثيرون يحبون الإنسانية فقط من أجل أن ينسوا اللهَ بضمير مرتاح).