يؤكد السجل الموثق لجهاز الموساد الصهيوني أن إحدى المهمات الرئيسة التي تعيّن عليه القيام بها منذ تأسيسه أربعينيات القرن الماضي هي تهجير اليهود بكل الطرق والوسائل الممكنة إلى فلسطين المحتلة والتدخل بعمليات إرهابية ضد مؤسساتهم الدينية وخاصة في عدد من كُنس بغداد التي كان يقيم فيها أكثر من 130 ألفاً من يهود العراق واتهام العرب بتنفيذها من أجل زرع الذعر في صفوف اليهود ودفعهم للهجرة إلى فلسطين أثناء الانتداب البريطاني على العراق، وتمكن ضابط الموساد في الأربعينيات شلومو هيليل- مسؤول عملية تهجير العراقيين اليهود – من نقل 125 ألفاً بموافقة سلطات المملكة العراقية آنذاك، معظمهم بطائرات في عامي 1950و1951 بعد 3 سنوات على نكبة 1948.
وفي يومنا هذا مازال الموساد يجد في عمليات الإرهاب- التي تستهدف اليهود في مدن أوروبا والعالم- مصلحة من الدرجة الأولى لكي يحرّضهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة كلما تناقص عدد المهاجرين إليها.
ولهذه الغاية عقد مئات الممثلين للجاليات اليهودية ومنظمات الحركة الصهيونية المختصة بالهجرة اجتماعات من 27 تشرين الأول حتى 29 منه في القدس المحتلة لتفعيل كل الوسائل المتاحة لتهجير اليهود في خطة من سنوات عشر تنتهي عام 2029 بهدف إحضار أكثر من مليون من اليهود، بمعدل 100 ألف كل عام أمام انحسار الهجرة إلى أدنى مستوى، وهو بضعة آلاف في العام الماضي 2018.
وكان نتنياهو استغل قيام التنظيمات الإرهابية التي اعتاد الموساد على اختراقها مثل «القاعدة» و«داعش» وغيرهما بتنفيذ عمليات إرهابية ضد كنس يهودية أو ضد متدينين يهود لتحريض اليهود على الهجرة، فحين نفّذ في عام 2015 أحد إرهابيي «داعش» عملية إطلاق نار في بقالية متخصصة بأطعمة المتدينين اليهود سارع نتنياهو إلى باريس وألقى كلمة في كنيس يهودي طلب فيها علناً من يهود فرنسا البالغ عددهم 450 ألفاً الهجرة إلى فلسطين المحتلة بحجة أن فرنسا لم تعد آمنة لإقامة اليهود فيها ولا مكان لهم إلا في الكيان الصهيوني، وبعد أيام انتقد الحاخام مناحيم مارغولين- مدير الجمعية اليهودية الأوروبية دعوة نتنياهو هذه وقال له: إن عليه دعوة حكومة فرنسا لحماية مواطنيها وليس تحريضهم على الهجرة. والحقيقة أن السلطات الفرنسية تتواطأ مع تصريحات نتنياهو برغم أنها تمس مواطنين فرنسيين وتتجنب انتقادها لأنها لا تقبل بنقص (القوة البشرية) للكيان الصهيوني.
وفي عام 2018 وقعت عملية تفجير كنيس يهودي في بيتسبيرغ في الولايات المتحدة فسارع آفي غاباي متزعم المعارضة في الكيان الصهيوني بمطالبة يهود أمريكا بالهجرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، زاعماً بوجود مُعادين (للسامية) يرغبون بتصفية اليهود في العالم وأنه لا أمن لهم إلا في الكيان الصهيوني، علماً أن المستوطنين قرب قطاع غزة وشمال فلسطين المحتلة أصبحوا يعدّون أنفسهم للعودة إلى بلدانهم التي جيء بهم منها بعد عجز جيش الاحتلال عن حمايتهم من صواريخ وقذائف المقاومة.
وإذا كانت أجهزة المخابرات الغربية تعرف بوجود أصابع مخابراتية من الموساد في مثل هذه العمليات إلا أنها تمتنع عن الكشف عنها، لأن الدول الغربية تجد من مصلحتها تعزيز قوة الكيان الصهيوني بقوى بشرية حتى لو كانت من مواطنيها الأوروبيين، ولذلك أصبحت كل عملية مسلحة ضد اليهود في أوروبا تتلوها تصريحات تطالب بهجرة اليهود منها بعد أن تضاعف مستوى حجم الهجرة المعاكسة بسبب المقاومة وتمسك الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم واستمرار مقاومتهم للمستوطنين وقوات الاحتلال.. فمسؤولوا الكيان الصهيوني هم الذين تجب محاكمتهم على هذه العمليات ضد مؤسسات يهودية وهم الذين يجنّدون بوساطة جهاز الموساد عناصر متطرفة ويوجهونها نحو تنفيذ عمليات تفجير ضد هذه المؤسسات وهذا ما تثبته عمليات «داعش» و«القاعدة» التي لم تستهدف الكيان الصهيوني ولا قواته، بل كانت تنفذ عمليات في أوروبا ضد يهود أوروبيين لخدمة المشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة ولخدمة تحريض اليهود على الهجرة، ولهذا السبب اختار المشاركون في المؤتمر المُسمى «إنقاذ الهجرة اليهودية» شعار «الهجرة والهجرة وحدها تنقذ مستقبل المشروع الصهيوني وكيانه الإسرائيلي» وتكشف صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن الوكالة اليهودية ستلجأ إلى إعداد خطط سرية تتيح لها استجلاب أكبر عدد من اليهود في الأعوام المقبلة.