لليوم التاسع على التوالي, تتواصل المعارك العنيفة بين أرمينيا وأذربيجان على جبهة إقليم ناغورني قره باغ, وجميع السيناريوهات المستقاة من أرض المعارك هناك تشير إلى ازدياد حدة الهجمات مع تعنت أذربيجان ورفضها وقف الحرب والتهدئة, مستندة في موقفها العدائي إلى دعم النظام التركي بزعامة رجب أردوغان الذي أعلن جهاراً رفضه وقف إطلاق النار في إقليم ناغورني قره باغ, وإيغاله بدعم باكو للمزيد من التصعيد.
فرغم كل المطالبات الدولية بالتهدئة واللجوء للحوار بين البلدين, يوغل نظام أردوغان في صب المزيد من الزيت على نار الأزمة في تدخل سافر يهدف إلى تأجيج الأوضاع بما يتسق مع سلوكيات النظام التركي في خلق التوترات وإذكاء نار الفتن, ما أجج مخاوف دولية واسعة من اتساع الصراع في منطقة جنوب القوقاز.
ففي الإقليم المشتعل, استهدفت ضربات جديدة أعقبتها انفجارات ستيباناكرت كبرى مدن ناغورني قره باغ حيث سقط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين, وشهدت المدينة في الأيام الأخيرة عدة ضربات من هذا النوع، ما أجبر السكان على الاحتماء في أقبية وملاجئ, في حين حذر مراقبون من أن الصراع الحالي من شأنه أن يهدد بعرقلة إمدادات الطاقة عبر جنوب القوقاز الذي يعد ممراً لخطوط أنابيب النفط والغاز إلى الأسواق العالمية, خاصة أن هذا الصراع المتجدد هو الأعنف منذ فترة التسعينيات التي شهدت مقتل نحو 30 ألفاً من البلدين.
اللافت أن الصراع الحالي الذي تؤججه أنقرة, يعيد إلى أذهان الأرمن مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات العثمانية في القرن العشرين, إذ شبه رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان ما يجري حالياً بظروف الحرب ضد الدولة العثمانية في القرن العشرين, مؤكداً أن بلاده ستتبع كل السبل الضرورية لحماية أبناء عرق الأرمن من الهجمات الأذربيجانية المدعومة من نظام أردوغان, بينما حذر مراقبون من مأساة جديدة محتملة تنتظر الأرمن بعد 105 سنوات على المذابح التي قامت بها ضدّهم الدولة العثمانية، وخاصة مع بدء قوافل الأرمن المهجرين من المناطق الحدودية بالتوجّه صوب العاصمة الأرمينية ومدن أخرى.
التقارير الإخبارية الواردة من جبهة القتال تشير إلى أن حجم العدوان الأذربيجاني والتركي على إقليم ناغورني قره باغ غير مسبوق، حيث تهاجم مئات الدبابات والمعدات العسكرية والصواريخ والطائرات المقاتلة والطائرات من دون طيار عدة مواقع في الإقليم. ناهيك عن تورط القيادة التركية في إدارة المعارك, إذ أعلنت أرمينيا أن بحوزتها معلومات مؤكدة تفيد بأن 150 من كبار الضباط الأتراك يُساعدون في توجيه عمليات أذربيجان العسكرية, ناهيك عن المرتزقة الذي استقدمهم أردوغان للمشاركة في القتال إلى جانب القوات الأذربيجانية لترجيح الكفة لصالح أطماع “السلطان العثماني”, واقع الحال الذي أثار المخاوف من مخاطر التدخل التركي المباشر في الأزمة.
وعليه, فإن تحريض نظام أردوغان لحليفه الأذربيجاني يرسم أجندات أنقرة في جنوب القوقاز، باعتبار أن أردوغان يرى في تغذية النزاع والدفع به نحو مواجهة عسكرية شاملة فرصة مواتية لتحقيق مطامعه في المنطقة والتوسع أكثر لتغيير ميزان القوى على الأرض لصالح أحلامه العثمانية, في حين يحذر مراقبون من تراخي المجتمع الدولي في ردة الفعل حيال ذلك, والذي قد يغري أردوغان بالانتقام مجدداً من الأرمن واستنساخ بعض مجازر الإبادة الجماعية التي جرت قبل نحو 100 عام.
تقرير- صفاء إسماعيل: تشرين