على الرغم من نجاح واشنطن بإشعال وإشغال القارة الأوروبية بحرب الناتو على روسيا من البوابة الأوكرانية , ومحاولة توسيع رقعتها عبر فنلندا والسويد , والأهداف والمكاسب التي تبحث عنها , تبقى الصين هي العدو والهدف الأمريكي الأول بإمتياز .
وعلى الرغم من الحرب الدائرة حالياً في أوروبا , يبقى من اللافت تزايد التصعيد والإستفزازات الأمريكية للصين , بما يشي بأنها لن تنتظر إنتهاء الحرب العسكرية على روسيا , وأنها بصدد تدشين الحرب على الصين من البوابة التايوانية , وسط “رؤية” البريطانية ليز تروس بـ “ضرورة مشاركة الناتو بشكل أكبر في الشرق الأوسط” , بما يتفق مع دعاة الحرب في واشنطن الذين يسعون إلى تسليح اليابان بالأسلحة النووية , نتيجة صعوبة محاصرة الصين بصواريخ الناتو كما فعلوا مع روسيا , وتسبب بإطلاق شرارة الحرب.
على الرغم من القراءة الصينية الواضحة لما يُحاك ضدها , لكنها لا تستعجل الحرب , وتتأنى في مواقفها , وتحذر واشنطن من إرسال الأسلحة إلى تايوان , وبأنها على استعداد لمواجهة التدخل العسكري الخارجي , خصوصاً بعد عبور المدمرة الأمريكية سامبسون مضيق تايوان في 27/نيسان , وتصريح المتحدث بإسم الأسطول الأمريكي السابع , أن مهمة المدمرة “تظهر التزام الولايات المتحدة بإقامة منطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكل حر ومفتوح” , واستمرار واشنطن بإرسال قطعها البحرية لعبور مضيق تايوان , كما حصل في 10/أيار، حيث قامت السفينة “يو إس إس بورت رويال” وهي طراد الصواريخ الموجهة بالإبحار في المياه الدولية بالقرب من تايوان.
لم يكن عبور القطع الحربية للبحرية الأمريكية وسيلة الإستفزاز الوحيدة , فقد تعمدت واشنطن إبتكار عشرات الأساليب لرفع منسوب التهديد والإستفزاز الصيني , كتهديدها مؤخراً بغزو جزر سليمان , في حال إقامة قواعد عسكرية صينية هناك , ناهيك عن زيارة عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي بوب مينينديز وليندسي غراهام إلى تايوان في منتصف نيسان الماضي , لتشجيعها وتحريضها على الوقوف بوجه الصين , وسط اهتمام الوزير أنتوني بلينكن بالتأكد من “إمتلاكها وسائل الدفاع عن نفسها لمواجهة أي عدوان محتمل” , لتتمكن من إعلان نفسها دولة مستقلة , دون الإكتراث بالشعب التايواني الذي سيستبدل أمنه وإستقراره ويحول أرضه لساحة حرب ومواجهة بين الولايات المتحدة والصين.
بات واضحاً تركيز واشنطن على التهرب من إعترافها السابق منذ عام 1979, بأن تايوان هي جزء من الصين , والإتجاه نحو تكريس كونها كياناً ودولةً مستقلة , ولأجل هذا الهدف , أقر مجلس النواب الأمريكي في 27/نيسان , مشروع قانون يوجه وزارة الخارجية لدعم تايوان بالحصول على مقعد مراقب في منظمة الصحة العالمية , ناهيك عن دعوتها في 28/نيسان , لمشاركة ممثلين عن 60 دولة في الإجتماع الدولي حول مستقبل الإنترنيت , كما سبق وتمت دعوتها لحضور قمة بايدن للديمقراطية.
لم تكتف واشنطن بكل هذه الإستفزازات , وعمدت وزارة خارجيتها عبر موقعها الرسمي في 8/أيار, لإخفاء إعتراف الولايات المتحدة بالصين “حكومةً شرعية وبتايوان جزءاً منها” , كذلك بإختفاء الإشارة إلى أنها “لا تدعم استقلال تايوان” , بما يؤكد نهاية إعترافها وموقفها السابق , وباتت اليوم تشجع وتدفع العالم إلى معاملة تايوان على أنها دولة مستقلة… في وقتٍ لم تحظ تايوان سوى بإعتراف 13 دولة فقط , معظمها في جزر الكاريبي الصغيرة أو بعض دول أمريكا الوسطى , في حين لا تزال الأمم المتحدة تعتبر الجزيرة التايوانية منطقة وليست دولة.
تبدو واشنطن ماضية في مخططها لإستهداف الصين , وبتزويد تايوان بالأسلحة الأمريكية , وتوقيعها مؤخراً صفقة بيعها صواريخ باتريوت بقيمة 95 مليون دولار , وسط احتجاجٍ واستياء صيني كبير ..
وفي خطوةٍ إضافية في سياق المخطط الأمريكي , اتجه الرئيس بايدن في 20/أيار , نحو القارة الاّسيوية في زيارة امتدت لأربعة أيام عقد فيها لقاءاتٍ مع قادة كوريا الجنوبية واليابان والهند واستراليا , في وقتٍ اعتبرت فيه الصين أن الزيارة تشكل “استفزازاً علنياً يهدف لإضعاف نفوذها”, ما يؤكد أن واشنطن لا تخطط لمواجهة الصين بمفردها , بل بعد ضمانها حشد عديد الدول على الصعيد العالمي إلى جانبها , وحيث تراهن الصين على توزيع نشاطها الإقتصادي على امتداد مبادرة الحزام والطريق.
بات من الواضح أن قدرة الولايات المتحدة على مواجهة الصين بشكلٍ فعلي عبر إطارٍ إقتصادي ملموس , ستبقى محدودة , على الرغم من خطط وخطابات بايدن ، وستستمر دول المنطقة بتوسيع علاقاتها الإقتصادية مع الصين ، مما سيصعب على الولايات المتحدة فرض تغيير كبير على واقع هذه العلاقات , وانزياحها بإتجاه العلاقة مع الولايات المتحدة على حساب الصين.