بعد النكبة وما تلاها من مجازر حلت بالشعب الفلسطيني، وبعد إستقواء قطعان الصهاينة على فلسطين، وضمهم لأجزاء كبيرة منها، لم يجد أبناء الجبارين من يقف معهم في محنتهم، سوى جماعات من الشعوب العربية، التي التحقت بمصر وبلاد الشام في حرب 1948، حاملة راية الجهاد، نصرة لإخوانهم في مواجهة الهجمة الشرسة، التي شنها جذاذ الآفاق، غصبا للأرض المقدسة، وقتلا للأنفس المحترمة، وبقيت حكومات العمالة بمنأى عن ذلك كله، غير ملتفتة إلى ما يحدث من جرائم بحق الفلسطينيين.
ثم جاءت بعد ذلك حركة القوميين العرب، لتدخل من باب مواجهة العدو الصهيوني، بعد الإنقلابات العسكرية، التي قام بها ضباط وطنيون في مصر والعراق وسوريا، أزالت أنظمة عميلة عن كاهل شعوب المنطقة، ورفعت شعار تحرير فلسطين وإلقاء الصهاينة في البحر.
المشروع العروبي لتحرير فلسطين، بقي حلما لم يتحقق منه شيء، رغم صدق بعض زعمائه، بل كان مصيبة على الشعب الفلسطيني، الذي استفاق بعد النكسة التي حلت بالجيوش العربية، في حرب حزيران 1967، والتي عرفت بحرب الايام الستة، على الهزيمة المذهلة والمفجعة، التي ذاق مرارتها العرب من المحيط الى الخليج.
يومها استيقظت طلائع الفلسطينيين من حلم كان ضغثا، واقتنعوا تماما من أن تحقق لهم الانظمة العربية شيئا، فشكلوا بأنفسهم منظمة التحرير الفلسطينية، التي انضوى تحتها عدد من فصائل مقاومة العدو الصهيوني، وطويت صفحة الاعتماد على الجيوش العربية في تحرير ارضهم، ليفتحوا بأنفسهم صفحة اخرى من الكفاح، وبدأت موجة انعدام الامن عند الصهاينة تكبر بمرور الزمن.
ولم تكن حرب 6 اكتوبر (10 رمضان 1393)، سوى مقدمة لتفكك محور دول المواجهة مع العدو الصهيوني، وشكل انتصار الجيش المصري المحتشم باجتيازه قناة السويس إلى سيناء، وتوغله في عمقها 20كلم انجازا عظيما، لكنه توقف فيما عرف بثغرة الديبريسوار، التي حاصر بها الصهاينة كامل الجيش الثالث المصري.
وتوقفت الحرب بلا نتيجة، بل إنها تسببت في فتح ثغرة في الجدار العربي لدول المواجهة، تمثل في الزيارة الخطيرة التي قام بها المقبور السادات إلى الكنيست الإسرائيلي، وخطاب العار الذي إلقاه هناك، وما تمخض عن ذلك من تسوية (كامب دافيد)، المذلة للعرب عموما ولمصر خصوصا، كل هذا والشعب الفلسطيني يرقب الأحداث، ولا يجد من يسنده في محنته سوى جوقة الخطباء، ومحترفي سياسة الخداع وبيع قضايا الأمة.
ولم يكن ملك الأردن أقل سوء من السادات، فنحا نحوه في اتفاقية مذلة أخرى في (وادي عربة)، أحالت جيشه على تخصص التشريفات، بعد أن تورط في قتل ما يزيد عن 25 الف فلسطيني من قبل، في ما عرف بأيلول الأسود سنة 1970.
وهكذا تتالت خيانات الأنظمة العربية لفلسطين أرضا وشعبا، من اتفاقات التسوية، إلى الاتصالات الغير مباشرة، ومن وراء وسطاء، واقامة مكاتب اتصال، الى الدعوة الى انهاء القضية، بتطبيع يرضي الصهاينة، تنصلا من عبئ وتبعات تحرير الأرض المغتصبة.
تأخرت الحركات الاسلامية الفلسطينية في الظهور على الساحة الفدائية لفلسطين، فما تأسس اولا كانت ذات توجه عروبي ماركسي، وبحكم الطابع الفكري والسياسي الذي كان سائدا حينها في المنطقة، والقريبة من الاتحاد السوفييتي وكوبا والصين الشعبية، تأثّرا بثوراتهما اليسارية.
ولم تظهر حماس والجهاد الاسلامي في مظهرها الفاعل، الا بعد انتصار الثورة الاسلامية، حيث شكلت توجيهات مؤسس نظام الحكم الاسلامي في العصر الحديث، الامام الخميني رحمه الله، حجر الزاوية في تحويل الصراع القائم، من بوتقة العربية عرقا واليسارية فكرا، الى الفضاء الاسلامي الأرحب، والأقدر على تحقيق ما يصبوا اليه الشعب الفلسطيني، في تحرير أرضه من دنس الصهيونية العالمية.
في أول ايام انتصار الشعب الايراني المسلم، امر الامام الخميني رحمه الله بطرد السفير الصهيوني وطاقمه من طهران، حيث كان الشاه المقبور قد اقام علاقات دبلوماسية رفيعة، على مستوى السفراء، بين نظامه واسرائيل، وفي خطوة بقيت يتيمة الى اليوم، اعلن مقر البعثة الصهيونية بطهران سفارة لدولة فلسطين، مما أثار حنق امريكا ولقيطتها اسرائيل، فعملوا على اسقاط النظام الاسلامي في ايران بكل الوسائل، لعل اشدها تأثيرا، عمليات الاغتيالات الواسعة، التي لحقت برموز الثورة الاسلامية وكوادرها، اهمها تفجير مقر (جزب جمهوري اسلامي) الذي راح ضحيته اكثر من 73 من خير ما انجبت ايران، وكانت عملية اقتحام طلبة جامعة طهران وكر الجاسوسية الامريكي، واحتجاز الامريكيين فيه رهائن، الضربة الاستباقية التي قام بها شباب الجامعات، من أجل القطع النهائي لخيوط المؤامرة على بلادهم، وهو ما جعل العالم باسره يقف مذهولا من الحادثة، بسبب ان النظام في ايران لا يزال في مرحلة نشوء.
وأعلن الامام الخميني بكل وضوح، ان القضية الفلسطينية وتحرير القدس، هي من أولويات الاسلام وايران حكومة وشعبا، ثم دعا الى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان، يوما عالميا للقدس، تحسيسا لجماهير الامة الاسلامية، واستنهاضا لها من اجل حشد الطاقات، وضم القدرات الى بعضها، استعدادا ليوم التحرير.
جدية مشروع تحرير القدس وفلسطين، الذي تدفع به الجمهورية الاسلامية نحو التنفيذ والتحقيق، ظهرت دلالاته من كونه يحتمل حربا عالمية ثالثة، فأسس الايرانيون جيشا اسموه جيش تحرير القدس واطلق عليه لقب جيش العشرين مليون، وقد اعدوا له العدة كما يجب ان تكون، فصناعات ايران الاسلام العسكرية، قد بلغت اليوم حدا لا يستطيع احد تجاهل نجاحاتها وفاعليتها، والاسلحة المتطورة التي وفّق خبراء الصناعات العسكرية في انجازها، بريا وبحريا وجويا، وضعت ايران من بين اوائل الدول المتطورة في هذا المجال، ويكفي ان نسوق قدرتها على صناعة وإرسال ووضع الاقمار الصناعية في مختلف التخصصات في مداراتها، بتقنية الصواريخ البعيدة المدى، وتحكمها عن بعد في طائرتين أمريكيتين من دون طيار، وانزالهما على الارض الايرانية، لتبدأ ايران مرحلة جديدة من صناعة تلك الطائرات، وتطويرها زيادة على ذلك.
ومن يسال حماس والجهاد الاسلامي، عما قدمته ايران الاسلام ولا تزال، من أجل دعم الحركات الفلسطينية، واحتياجات الشعب الفلسطيني، يجد الاجابة واضحة لا غبار عليها، تقول ان ايران هي صاحبة المشروع العملي والحقيقي لتحرير فلسطين، فجميع امكانياتها قد وضعت تحت تصرف شرفاء فلسطين، بعيدا عن الطائفية التي يحاول البعض الصاقها كذبا وزورا بإيران، والفصائل الفلسطينية تمتلك اليوم منظومة صواريخ بدأت بفجر 4 و5 وتطورت الى أقوى منها بكثير، بجهود ايرانية تذكر فتشكر.
وقد وقفت الطلائع الفلسطينية المجاهدة على اختلاف فصائلها، على ثبات الموقف الاسلامي الايراني، الذي اسسه الامام الخميني رحمه الله، لتلمس من خلال تواصلها به، قرب خلاص شعبها وارضها من الغطرسة الصهيونية والاستكبار الغربي، والايام القادمة ستكون حبلى بالخير والعزة للمشروع الاسلامي، بعد فشل المشروع العروبي.