موجة من التقارير والإثباتات أكدت أن السعودية أقدمت على تجنيد آلاف الأطفال من اليمن والسودان في حربها على اليمن، ومع ذلك لا تزال الإدارة الأمريكية تبرّئ السعودية من هذا الأمر، وتستثنيها من جميع العقوبات التي من المفترض أن تنفّذ ضدها وضد كل من يقوم بتجنيد الأطفال.
أمريكا ومن خلفها الدول الأوروبية، يعلمون جيداً أن ما تقوم به الرياض يتعارض مع ما هو منصوص عليه في قانون منع تجنيد الأطفال لعام 2008، ومع جميع الاتفاقيات الأممية (اتفاقية حقوق الطفل، اتفاقيات جنيف) والبروتوكولات الدولية (البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة الذي دخل حيّز التنفيذ في العام 2002) والمعاهدات التي تؤكد جميعها على ضمان عدم إشراك الأطفال في الأعمال الحربية، واتخاذ التدابير الممكنة عملياً لمنع هذا التجنيد والاستخدام للأطفال، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر وتجريم هذه الممارسات، مع العلم أن السعودية صادقت على البروتوكول الخاص بعدم إشراك الأطفال في الحروب عام 2011.
ومؤخراً وجّه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة لوزير الخارجية مايك بومبيو طالبوه فيها بتفسير قراره استبعاد السعودية من قائمة الدول المعروفة بتجنيد الأطفال في تقرير الاتجار بالبشر لعام 2019.
وجاء في رسالة الشيوخ أن الاستبعاد جاء في وقت تم فيه وضع السعودية على القائمة السوداء للدول التي فشلت في معالجة مسألة الاتجار بالبشر، ويبدو أنه يتعارض مع ما هو منصوص عليه في قانون منع تجنيد الأطفال لعام 2008.
وأضافوا إن مكتب مراقبة ومكافحة الاتجار بالبشر أدرج معلومات بشأن ما ورد عن تجنيد السعودية للأطفال، وأنها ربما موّلت مليشيات يمنية قد تكون في بعض الحالات استخدمت قاصرين في القتال. وأكد الشيوخ أن الإدارة الأمريكية تتحمّل مسؤولية التأكد من أن المساعدة الأمريكية لا تدعم تجنيد الأطفال.
وبالرغم من هذا كشف مصدر أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ألغى اقتراح فريق من الخبراء بوزارته أوصى بإدراج السعودية بقائمة الدول التي تجنّد الأطفال، وهي قائمة من المفترض أن تنشرها الإدارة الأمريكية قريباً.
وبحسب “ديلي ميل”، يتم التعامل مع الأطفال اليمنيين البالغين من العمر 13 عاماً على أساس أنهم قادرون على القتال جنباً إلى جنب مع الكبار.
وقال وزير الدولة البريطاني لشؤون آسيا مارك فيلد إن هناك تقارير تشير إلى أن 40% من جنود قوات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن هم من الأطفال، بينما أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إلى مقتل مئات منهم خلال السنوات الأربع الماضية في اليمن.
إذن لماذا كل هذه التغطية على جرائم آل سعود في اليمن، بالرغم من جميع التقارير التي تؤكد تورّطهم بتجنيد الأطفال؟!
في الحقيقة الموضوع يتعلق بـ”المال ثم المال ثم المال” وبات جلياً للقاصي والداني أن أمريكا وكذلك بريطانيا وفرنسا ليسوا على استعداد لإدانة السعودية خوفاً من جفاف نهر الأموال المتدفق من الرياض نحو البنوك الغربية، وتأتي هذه الأموال عموماً عبر صفقات الأسلحة.
لذلك نجد الإدارة الأمريكية والغرب مستعدين لتدمير جميع القوانين الدولية والعالمية، كرمة لعيني “الدولار” وليس حبّا بآل سعود أو دفاعاً عنهم، وفي حال رفضت السعودية تغذية البنوك الغربية بالمال ستنقلب عليها هذه الدول وتبدأ باستغلال القانون الدولي لإدانة السعودية بحسب مزاجها الشخصي وبناءً على مصالحها.
وقالت سارة مارجون مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش بواشنطن قبل أسابيع: “يظهر القرار بجلاء أن إدارة ترامب تلجأ للتلاعب السياسي ورفض الأدلة، على حساب الأطفال، حتى تحمي السعودية”.
وبحسب القانون تصبح الحكومات التي تستخدم الأطفال في النزاعات، ممنوعة من التعليم والتدريب العسكري الدولي، والتمويل العسكري الأجنبي، كما حظرت إصدار تراخيص للمبيعات التجارية المباشرة للمعدات العسكرية لمثل هذه الحكومات، إلا أن أمريكا وبريطانيا استثنت السعودية من الكثير من القوانين الدولية والمحلية التي تحظر تصدير السلاح إلى مناطق يتم فيها ارتكاب الكوارث الإنسانية.
والسبب أن مشتريات السعودية مثّلت 43% من إجمالي مبيعات السلاح البريطانية خلال العقد المنصرم، وحصلت بي.إيه.إي سيستمز، أكبر شركة سلاح في بريطانيا من السعودية على نحو 3.3 مليارات دولار، وهو ما يمثّل 14% من إجمالي مبيعات المجموعة من السلاح.
بينما تقول الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بتصدير الأسلحة عندما يكون هناك احتمال لاستخدامها في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، فإنها وفّرت غطاء دبلوماسياً لانتهاكات التحالف الذي تقوده السعودية.
عوضاً عن إشراك الأطفال في حروب دموية قاتلة، كان من المفترض أن يذهب هؤلاء الأطفال إلى مدارسهم التي دمّرتها طائرات آل سعود إلا أن وحشية الحرب والفقر والظروف المعيشية القاسية وعدم حصول موظفي الحكومة على رواتبهم أجبر هؤلاء الأطفال على الانخراط في حرب مكرهين عليها لكي يعيلوا أسرهم، بعد انقطاع جميع السبل لتوفير مصادر للدخل في اليمن.
السعودية وعلى مدى السنوات القليلة الماضية فشلت فشلاً ذريعاً في إنهاء حرب اليمن ولم تستطع أن تكسب أي نقطة لمصلحتها وطالما أن هذه الحرب مستمرة ستكون الفضائح مستمرة معها، ويمكن القول إن آل سعود لم يعد بإمكانهم إخفاء عدد جنودهم الذين يموتون في اليمن وهذا يشكّل لهم إحراجاً أمام الرأي العام السعودي، لذلك فإن تجنيد الأطفال يمكن أن يخفّف وطأة هذا الأمر.
الأمر الآخر يتعلق بالأموال التي تصرفها السعودية على حرب لا أحد يعرف حتى اللحظة الهدف منها، حيث ارتفعت تكلفة هذه الحرب إلى مستويات لا يمكن حصرها، وبالتالي فإن سبب استغلال هؤلاء الأطفال من السعودية هو انخفاض تكلفتهم على الرياض مقابل الجندي السعودي باهظ الثمن، وبحسب موقع وزارة الدفاع السعودية ففي حال قتل الجندي السعودي، تُمنح مساعدة عاجلة لأهله بقيمة مئة ألف ريال، ويُصرف لأسرته تعويض بقيمة مليون ريال سعودي، إضافة إلى الالتزامات الأخرى التي تتكفل بها الحكومة السعودية.
المصدر: الوقت