للأفكار والوقائع علاقة مدّ وجزر فقد تنشأ الفكرة وتؤثر في الواقع فتغيره وهو ما حصل في العالم الغربي من ثورات أوروبية. وقد تلتحق الأفكار بالواقع لتحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في كل ما يحصل وهذا ما حصل من حراك في العالم العربي. فنجد الفلاسفة وعلماء الاجتماع يلتحقون بالحراك لفهمه….
ان ما حصل في تونس بعد حراك 13 أكتوبر 2019 من ظهور روح حماسية شبابية متعاونة ومبدعة لا ينبغي أن نستهين به لأن ما يحصل في تونس اليوم هو ما حلم برتراند راسل بتحقيقه من أجل إعادة إحياء الروح التعاونية الإبداعية وهو المؤمن بأن الحالة الطبيعية والغريزية في الإنسان هي حالة تعاون وحرية ولكن طرأت تغييرات عديدة عبر التاريخ ومن الواجب اليوم العودة لإعادة إحياء الدوافع التعاونية في المجتمعات .. طبعا لم يرفع الشباب التونسي شعارات فلسفية ولم يصرح بانتمائه لأي طرح فلسفي ولكن ما يثير الدهشة أن ما يقوم به الشباب هو ترجمة لأطروحات فلسفية لفيلسوف معاصر طرح فكرة تنمية الدوافع الإبداعية لمقاومة الدوافع التملكية الليبرالية ..وهو مشروع بناء اشتراكية تحررية مدفوعة بروح التعاونية الإبداعية انطلقت مع برتراند راسل وتواصلت مع تلميذه ناعوم تشومسكي من أجل الخروج من ثنائية الاشتراكية القاتلة لروح الإبداع واللبيرالية المرسخة للحرية التملكية الدافعة للتقاتل والتحارب بين الدّول …إن استدعاء راسل ليس لفهم الحراك إنما لوضع أسس فلسفية والتنبيه لأهمية هذا المنعرج التاريخي الحاصل في تونس اليوم وما يطلق عليه حراك 13 أكتوبر 2019.
قدم راسل عديد الكتب في التربية والسياسة والأخلاق من أجل تقديم مشروع خطة متكاملة من أجل إحياء الروح التعاونية بين افراد المجتمع عوضا عن الدوافع التملكية والتنافس لتكديس الأموال والأملاك ونجد حراك 13 أكتوبر ينجح في إحياء الروح التعاونية الإبداعية دون هذا العناء كله والسؤال المطروح كيف الحفاظ على هذه الشعلة الإبداعية المتعاونة لتكون قوة دافعة للتغير السياسي والاقتصادي لتبدع تجربة سياسية جديرة بالدراسة في المستقبل؟
* تنبيه أخترت مصطلح حراك 13 أكتوبر وهو مصطلح اصبح متداولا على وسائل التواصل الاجتماعية و أقصد من خلاله كل الظواهر التعاون على حملات التنظيف والتشجير وتدعيم استهلاك المنتوج الوطني وغيره ولا اقصد بذلك صفحة فيسبوك أو حزب و جمعية أو غيرها.