إن الهدف من تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية يوم 19 سبتمبر 1958 هو الدخول في مفاوضات مع فرنسا من أجل استعادة السيادة الوطنية وحصول الجزائرعلى استقلالها التام، فبعد أن حققت الثورة التحريرية انتصارات عسكرية ودبلوماسية، قررت قيادتها تأسيس حكومة مؤقتة تكون الطرف الأساسي في المفاوضات مع فرنسا بشأن استعادة السيادة الوطنية وحصول الجزائر على استقلالها، و أن الحكومة المؤقتة والوفد الجزائري المفاوض قد تمسكا خلال المفاوضات مع فرنسا بمبدأ الوحدة الترابية وعدم التفريط في أي شبر من التراب الوطني، و أن هذه الحكومة التي تم الإعلان عن تأسيسها من ثلاث عواصم عربية في نفس الوقت هي القاهرة وتونس والمغرب قد اعترفت بها أكثر من 30 دولة عربية وافريقية وأسيوية وأمريكية، لعبت دورا بارزا على المستوى الدولي حيث أبرمت العشرات من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وكما قامت الحكومة المؤقتة بدور هام في التكفل بشؤون اللاجئين الجزائريين في الخارج، وتحضير الإطارات لمرحلة ما بعد الاستقلال، وكذا مواجهة مؤامرات أعداء الثورة التحريرية وأطروحات الاستعمار المناهضة لبيان أول نوفمبر 1954 إلى جانب تنشيط الدبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والدولي لكسب التأييد العالمي للقضية الجزائرية .
تكاد تجمع مصادر الأرشيف و الدراسات التاريخية التي تناولت هذا الموضوع، على أن الأوضاع العسكرية للثورة الجزائرية خلال هذه الفترة كانت جد حرجة و صعبة للغاية،فسنة 1958 و ما بعدها سجلت بصورة ملحوظة منعطفا حاسما في تسيير العمليات العسكرية في الجزائر، سواء في الداخل أو الخارج ، حيث تلقت الثورة ضغطا عسكريا من طرف الجيش الاستعماري الفرنسي و فرق “الأمن” بمختلف وحداتها، حيث أصحبت المبادرة من جانب الوحدات العسكرية الفرنسية، التي تأقلمت مع أسلوب الحرب الثورية، و قد عم الإرهاق في الداخل من جراء الإستراتيجية العسكرية” الديغولية”، وبدأ الحماس الذي عرفته الثورة عند بدايتها يتناقص.
و في هذا السياق تلقت قوات جيش التحرير الوطني خسائر فادحة في الأرواح، سواء في المعارك و الاشتباكات في داخل الوطن أو على الحدود المسيجة و المكهربة(خطي شال و موريس) فخلال سنتي 1958 و 1959 كان 80% من عناصر جيش التحرير الوطني يستشهدون وسط الأسلاك الشائكة و المكهربة، خلال اختراق خطي شال و موريس.
ونتيجة للتأثيرات السلبية الخطيرة للخطين على الثورة، فقد ضاعفت قوات جيش التحرير الوطني عملياتها الصغرى منذ جانفي 1958، ضد القوات العسكرية الفرنسية على الحدود الجزائرية التونسية، و بذلك تبدأ “معركة الحدود” التي ستنتهي في أواخر شهر ماي من نفس السنة، و قد تكبدت وحدات جيش التحرير الوطني خسائر فادحة في هجماتها ضد خط” الموت” موريس فمثلا استشهد يوم 26 فيفري 1958 حوالي 225 جنديا مقابل مقتل 19 جنديا فرنسيا فقط، و في 27 فيفري 1958 استشهد 100جندي مقابل جندي فرنسي واحد فقط، و ستكلف المعركة ضد خط موريس جيش التحرير بمنطقة سوق أهراس ما بين 23 أفريل 1958 إلى 03 ماي 1958 استشهاد 620 جندي جزائري، و استيلاء الجيش الفرنسي على 546 قطعة سلاح، و ستتم هذه المعركة بحصيلة ثقيلة، قدرتها السلطات العسكرية الفرنسية بستة آلاف (6000) شهيدا و أربع آلاف (4000) قطعة سلاح.
و بذلك أصبحت مهمة اختراق خطي شال و موريس غير مضمونة العواقب إطلاقا بالنسبة إلى جنود جيش التحرير، مما أدى إلى انحطاط معنويات مقاتلي جيش التحرير الوطني، فكان لزاما على لجنة التنسيق و التنفيذ إيجاد مخرج لهذا المأزق.
فالإسراع في تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 19 سبتمبر 1958 جاء كضرورة فرضتها الظروف الداخلية و الخارجية السائدة آنذاك، و التي استدعت إنشاء هيئة تحظى بالاعتراف الدولي، لأنه وعقب أربع سنوات من اندلاع الثورة التحريرية كان لا بد من إنشاء هيئة مهمتها التعريف بالوضع الحقيقي القائم بالجزائر التي كانت ترزح تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، و إطلاع الرأي العام على المعاناة التي يعيشها الجزائريون ، فعلى الرغم من وجود المجلس الوطني للثورة التحريرية و هيئة التنسيق و التنفيذ الذين تأسسا بمقتضى مؤتمر الصومام و كذا جيش التحرير الوطني إلا أن هذه الهيئات كانت لها مهام و أدوار محددة فـكان من الضروري إنشاء هيئة تحظى بالاعتراف الدولي في سبيل التعريف بالثورة الجزائرية تمهيدا لافتاك الاستقلال .
هي حكومة اذا مؤقتة تم الإعلان الرسمي عن تشكيلها بتاريخ 19 سبتمبر 1958، وفي نفس اليوم صدر أول تصريح لرئيس الحكومة المؤقتة السيد” فرحات عباس” حدّد ظروف نشأتها والأهداف المتوخاة من تأسيسها، وقد جاءت هذه الحكومة تنفيذا لقرارات المجلس الوطني للثورة الجزائرية في اجتماعه المنعقد في القاهرة من 22 إلى 28 أوت 1958، والذي كلف فيه لجنة التنسيق والتنفيذ بالإعلان عن تأسيس حكومة مؤقتة ، استكمالا لمؤسسات الثورة وإعادة بناء الدولة الجزائرية الحديثة، ووضعت الحكومة المؤقتة السلطة الفرنسية أمام الأمر الواقع، وهي التي كانت تصرح دائما أنها لم تجد مع من تتفاوض، وعرفت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ثلاث تشكيلات من 1958 إلى 1962:
التشكيلة ألأولى 1958 -1960
- السيد فرحات عباس رئيسا
• السيد كريم بلقاسم نائب الرئيس ووزير القوات المسلحة
• السيد أحمد بن بلة نائب الرئيس
• السيد حسين آيت أحمد نائب الرئيس
• السيد رابح بيطاط نائب الرئيس
• السيد محمد بوضياف وزير دولة
• السيد محمد خيضر وزير دولة
• السيد محمد الأمين دباغين وزير الشؤون الخارجية
• السيد محمود الشريف وزير التسليح والتموين
• السيد لخضر بن طوبال وزير الداخلية
• السيد عبد الحفيظ بوصوف وزير الاتصالات العامة والمواصلات
• السيد عبد الحميد مهري وزير شؤون شمال أفريقيا
• السيد أحمد فرنسيس وزير الشؤون الإقتصادية والمالية
• السيد أمحمّد يزيد وزير الإعلام
• السيد بن يوسف بن خدة وزير الشؤون الاجتماعية
• السيد أحمد توفيق المدني وزير الشؤون الثقافية
• السيد الأمين خان كاتب دولة
• السيد عمر أوصديق كاتب دولة
• السيد مصطفى اسطمبولي كاتب دولة
التشكية الثانية 1960-1961
- السيد فرحات عباس رئيسا
• السيد كريم بلقاسم نائب الرئيس ووزير الشؤون الخارجية
:• السادة
• السيد أحمد بن بلة نائب الرئيس
• السيد حسين آيت أحمد نائب الرئيس
•رابح بيطاط نائب الرئيس
• السيد محمد بوضياف وزير دولة
• السيد محمد خيضر وزير دولة
• السيد السعيد محمدي وزير دولة
• السيد عبد الحميد مهري وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية
• السيد عبد الحفيظ بوصوف وزير التسليح والاتصالات العامة
• السيد أحمد فرنسيس وزير المالية والشؤون الإقتصادية
• السيد محمد يزيد وزير الإعلام
• السيد لخضر بن طوبال وزير الداخلية
التشكية الثالثة 1961-1962
- السيد بن يوسف بن خدة رئيسا ووزيرالمالية والشؤون الإقتصادية
• السيد كريم بلقاسم نائب الرئيس ووزير الداخلية
• السيد أحمد بن بلة نائب الرئيس
• السيد محمد بوضياف نائب الرئيس
• السيد حسين آيت أحمد وزير دولة
• السيد رابح بيطاط وزير دولة
• السيد محمد خيضر وزير دولة
• السيد لخضر بن طوبال وزير دولة
• السيد سعيد محمدي وزير دولة
• السيد سعد دحلب وزير الشؤون الخارجية
• السيد عبد الحفيظ بوصوف وزير التسليح والاتصالات العامة
• السيد أمحمد يزيد وزير الإعلام
إن تشكيل الحكومة المؤقتة وصف بالحدث العظيم وأحد المعالم الكبرى من تاريخ الجزائر والتي يجب تبليغها للشباب وترسيخه في أذهانهم، و لا ينبغي أن نتوانى في إحياء والإشادة بهذه المحطات الهامة من مسيرة نضال أمة ضد أكبر قوة استعمارية في العالم خلال القرن العشرين .
بعض أعضاء الحكومة المؤقتة الجزائرية …