حتّى لمّا كانت الحرب العالمية الثانية لم تتحرّك أمريكا بخلفيّة التضامن الحضاري والثقافي مع أوروبا المهدّدة من النّازية. واقعا شكّلت تلكم الحرب الضخمة فرصة لأمركة أوروبا. لو لم تكن النّازية لما توفّرت هذه الفرصة الذهبية لقوّة أمريكية صاعدة كانت بحاجة الى تحييد مركز النفوذ التقليدي الأوروبي.
السؤال طبعا عن النازية وطبيعتها والخطط المحرّكة لها باطنا أو خفية. أعتقد أنّ بعض الحفر قد يقود الى غير ما اجتهد فيه المؤرّخون والمحلّلون فهؤلاء وإن جدّوا وكدّوا يبقون عرضة للتّشويش والتّوجيه وعموما فإنّ التّاريخ يكتبه أقوياء منتصرون. لم تحارب أمريكا يوما من أجل الغير ولم تحارب مع الغير. هي تحارب دوما بالغير لحسابها والمقصود بأمريكا ليس ذلك الكيان السياسي بعلم ونشيد وإنّما المقصود نخبة بنكيّة مالية وهي يهودية ولا شكّ وهذا معلوم. هذه النخبة تحارب بأمريكا ومقدّراتها لحسابها لا لحساب أمريكيين هم منذ قرن تقريبا مبرمجون على انتاج واستهلاك. هذه النخبة المتمكّنة والمتحكّمة توظّف أمريكا وتوظّف بأمريكا دولا كثيرة ومقدراتها وثرواتها.
يقول الأوروبيون اليوم وعلى نطاق واسع أنّ المصلحة في أوكرانيا أمريكية وأنهم يتضرّرون تماما ممّا تسعى فيه أمريكا وأنّ هذه الأخيرة توظّفهم بكلّ المكر والدّهاء. خلنا أنّ أمريكا لا تأتي من هذا المكر الّا مع عرب ومسلمين. يتبيّن أنّ مكرها أسلوب معمّم. يفهم الخليجيون الآن، ربّما كانوا فاهمين منذ مدّة، أنّ أمريكا لا تحميهم بقدر ما تحتمي بهم وأنّ نيّتها ليست أن تحارب من أجلهم ولا معهم لحسابهم وانّما رؤيتهم يحاربون لها بأسلحة يشترونها منهم بأموالهم. الآن ربّما تسنح لهم فرصة لكسر حلقة مفرغة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هناك قوى دولية تضاهي أمريكا وتتحدّاها الآن وهذه فرصة نادرة للفكاك. لا يعوّل كثيرون على ايران مثلا للفكاك من أمريكا ولكن التّعويل على روسيا والصّين وما تبنيان من أحلاف اقتصادية وأمنية وعسكرية يستقيم جدّا بحسابات القوّة.
التوافق السعودي الايراني يفهم من هذه الزاوية وهو توافق ستتبعه توافقات كثيرة في المنطقة. وبقدر ما تتقدّم روسيا لحسم الحرب في أوكرانيا بقدر ما تشهد المنطقة والعالم تحوّلات استراتيجية وازنة. لن تبقى النخبة المتحكّمة والماسكة بالخيوط منذ ثمانين سنة مكتوفة الأيدي وسيزيد مكرها مضافا اليه تشنّج قياسي وليس معلوما بماذا ستخرج علينا تباعا. تشعر هذه النخبة بالضيق ولا شكّ ويشعر الصهاينة بضيق أكبر فكيانهم لم يكن ليبرز ويظهر كلّ هذا الظهور لولا نخبة متستّرة متخفّية ترعاه وتحميه وتقوّيه. ماذا في خلفيّة هذه النخبة؟ في خلفيّتها: “ليس علينا في الأمّيين سبيل”. في خلفيّتها أيضا أنّ من يعادي الكيان الغاصب عنصري يعادي السّاميين. يعني دائرة عنصرية تتّهم كلّ العالم بالعنصرية. نحن بمنعطف ولا شكّ، منعطف كلّي والصّراعات المترتّبة عمّا نحن فيه حتميّة. كذلك ما ستدفعه الإنسانية من أثمان. خلاص كبير في الأفق وبيننا وبينه ما قدّر اللّه وفي رواية أخرى ما يحكم التّاريخ.