الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

النموذج الإيراني ثبات واستمرار على المبادئ…بقلم محمد الرصافي المقداد

قد يستاء البعض من ذكر إيران – وهي عُقْدتهم – وقد ينحرِج منها من في قلبه إحنة عنها- والذين في قلوبهم مرض عادة ما تظهر أعرضها عند ذكر إيران بخير – وقد يلوذ من يلوذ هربا من سماع خبر عنها يزيده مرضا منها، كأنّها ليست إيران التي أنجبت علماء الأمّة قديما، وكأنّ قومها ليسوا أولئك الذين بشّرهما الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أنهم من سيعيد للدّين مكانته وللإيمان عزّته وللأمّة سؤددها(1)، ردّات أفعال مواقف لا تزال حكومات وشعوب عربية تظهرها تجاه إيران سلبا، بإيحاءات مختلفة، كل حسب نسبة تحيّزه وانتمائه المذهبي والحزبي، مع أنّ إيران التي ظهرت نموذجا فريدا من نوعه، في عالم السياسة العالمية، قد أظهرت من الكفاءات والتميّز، بما يجعلها محطّ أنظار القاصي عنها والدّاني منها، وجديرة بأن تكون محلّ اهتمام ودراسة من طرف الشعوب الإسلامية على أقلّ تقدير إن لم نقل دول العالم المستضعف.

على مدى 43 عاما، ومنذ إعلان النظام الإسلامي ( ولاية الفقيه) حكومة إسلامية، قدّمها الإمام الخميني رضوان الله عليه نظام حكم لشعبه، بعدما أطاح بأعتى دكتاتوريات الشرق، وأقام على انقاضها تجربة فريدة، أثبتت فاعليتها وقدرتها على إدارة بلاد مترامية الأطراف، متعددة الأعراق والأديان، غلب على جملتها الإسلام بنسبة كبيرة، ولولا السلوك الوسطي، والمنهج العادل في الحكم الذي توخته حكوماته المتعاقبة، بانتخاباتها المتعددة التي تميّزت بشفافيتها، ونسب مشاركة شعبها الواعية، التي قلّما وجِدت في دول أخرى.

ومن هنا بإمكان المتابع المنصف، أن يتلمّس شعبية هذا النظام الفتيّ، ويفهم حاضنته القويّة، فيستبعد أوّلا ما يتمناه أعداء إيران، من تفكك مكوّنها العرقي والعقائدي، ويتخلّى عن صخب أبواق الدعاية الغربية والصهيونية والمنافقة ضد النظام الإسلامي، باعتباره منافيا لما هو واقع في إيران، من استقرار وأمن ونجاح، تحت ظلّ حكومة متميّزة، كلّله الشعب الإيراني في شتى مجالات كفاحه، بصبر ومثابرة وإصرار نادر، مثير لإعجاب المتابعين للشأن الإيراني، ومع ذلك يلوذون بالصمت فلا يذكرون نجاحات دولة عزيزة، أصرّت على تحدّ كبير لقوى الغرب بزعامة أمريكا.

إنّ ما يقلق أمريكا وقواها الغربية بالأساس، هو مشروع الإمام الخميني في تحرير فلسطين، ومن أجل ذلك فقط شُنّت عليها حرب عدوانية، وفرضت عليها عقوبات ظالمة قاسية، ومؤامرات عديدة أخطرها عمليات اغتيال العلماء والخبراء الإيرانيين، التي امتدّت عشرات السنين منذ انتصار الثورة الإسلامية إلى اليوم، فلو تخلّى النظام الإسلامي عن مشروعه الأساس لتغير حال ايران من دولة محاصرة ومحاربة ومتآمر عليها، إلى دولة قد تسيّدها أمريكا على الخليج كله، وتعطيها مقاليد التحكم فيهم جميعا، لكن مبدئية النظام الاسلامي لا يمكن أن تتغير مهما كانت اغراءات أمريكا والغرب، فالقضية الفلسطينية بالنسبة لإيران ليست للبيع ولا للتآمر عليها، كما فعلت دول عربية مطبّعة بشأنها.

ومخطئ من يعتقد أن أمريكا والغرب يفاوضون حتى اليوم إيران على ملفها النووي فقط، صحيح أن عينهم على قدراتها التقنية المتنامية ومنها النووية، وقد اقتحمت مجالات صناعية دقيقة، كانت حكرا على دول غربية معدودة، لكنهم مع تأكّدهم ويقينهم بأنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، يتخذون من المفاوضات مبرّرا وسبيلا لكسب ما عجزوا عنه بالعقوبات والتهديدات، من أجل غُنْم أيّ تنازل منها، تلك هي سياسة الشيطنة الأمريكية، بعدما خسرت رهانها الفاشل الذي عوّلت عليه كثيرا، وهو نفاد صبر الشعب الإيراني من العقوبات المُشدّدة، وثني النظام الإسلامي بواسطة الضغط الشعبي، عن مشروعه الكبير في تحرير فلسطين، وانهاء خطره بذلك الأسلوب على الكيان الصهيوني.

وفاء إيران نظاما وشعبا للمبادئ الإسلامية – وهما حاملين وفيّين لها- مثبتان قيَمَها الإنسانية، في معاملاتهما الداخلية والخارجية، الدّولية والاقليمية، جعلها محلّ متابعة واهتمام من عرف قيمتها ومقدارها الحقيقي، وطول نفس إيران وصبرها الأسطوري، يؤكّدان للعالم بأسره، أن مشاريعها جميعا ناجحة رغم العراقيل الكثيرة، كشجرة سنديان عالية، لا تأتي ثمارها إلا بعد طول انتظار(2)، طوبى لمن عرف إيران بما تستحق من حقوق، فهو منها على بصيرة من أمره، يذكُرها بمشاريعها التحررية والتنموية بكل خير، ويدافع عنها في مجالس الحديث بين الناس بيقين تامّ، ليظهر بعض حقّها لمن أعمته الدعايات المغرضة، موقنا أنّها لن تخذله في تقييمه الصحيح لها، وجميع المؤشرات على صحة ذلك بادية للعيان، ولمن ابصر أمّا عميان القلوب، فعليهم بمعالجة قلوبهم قبل كل شيء، حتى تكون رؤيتهم وتقييماتهم مطابقة للواقع.

ومع ما لفّقوه ضد إيران من دعاوى فارغة لا أساس لها من الصحة، تستمر المسيرة الإيرانية كدولة عالية الشأن في نهجها المقاوم، لتكون مثال يُحتذى لأشقائها من الشعوب الإسلامية، إيران موعودة الإيمان والنصر الإلهي على الصهيونية والاستكبار، ثابتة شامخة عزيزة، سيرضخ أعداء إيران في كل الأحوال إلى حقوقها المشروعة سلما أو حربا، فهي مستعدة في الحالتين،(ولينصُرَنَّ الله من ينْصُرُه إنّ الله لقويّ عزيز)(3)

المراجع

1 – عن ابي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي (ص)، فأنزلت عليه سورة الجمعة ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)، قال قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله يده على سلمان، ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لنال رجال من هؤلاء. صحيح البخاري كتاب التفسير باب قوله واخرين منهم لما يلحقوا بهم ج6ص151 ح4897//سنن الترمذي أبواب تفسير القرآن ج5ص337ح3310//مسند أحمد مسند ابي هريرة ج15ص237ح9406

2 – السنديان https://ar.wikipedia.org/wiki

3 – سورة الحج الآية 40

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024