الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

الوحدة الإسلامية في فكر الإمام الخميني (رض)… محمد الرصافي المقداد

ظهر الإمام الخميني رضوان الله عليه من خلال جملة أفكاره التي نادى بها على منبره العلمي، سواء كان في إيران قبل منفاه وبعده، أو خلال إقامته الطويلة بالعراق (النجف الأشرف)، داعيا إلى فكر مشترك، يجمع المسلمين على اختلاف مشاربهم الفقهية، ومن تتبّع كتاباته وخطبه ودروسه، أدرك سعة فكره ودقّة عباراته التي كان يطبقها، تعبيرا عن آرائه المتطابقة مع عقيدته الإسلامية، قرآنا وسنّة مطهّرة، خالصة من شوائب الإسرائيليات، خصوصا في مجال العقيدة كالتوحيد والنبوّة.

وموقف الإمام الخميني الذي اتخذه نتيجة قناعته التامّة، بأن ما حصل قديما من تناحر مذهبي، كان سببا في إضعاف الجبهة الداخلية للإسلام، وكان عليه معالجة تلك الرواسب بالدعوة إلى الوحدة على أساس القواسم المشتركة، الجامعة بين المسلمين على اختلاف مشاربهم الفقهية، وكان موقفه المبدئي معبّرا على توجّه سابق مضى فيه مصلحون كبار من أمثال السيد جمال الدين الأسدآبادي المعروف بالأفغاني، والشيخ محمد عبده، ونواب صفوي، والشيخ محمد الغزالي، والبروجردي، ومحمد أبو زهرة، والراعي الأمين على مشروع الوحدة الاسلامية السيد علي الخامنئي حفظه الله(1)، قد نفض جميعهم عن أنفسهم رداء المذهبية، ومدّوا أيدي الرّجاء لطيّ صفحة رديئة متناقضة مع مبادئ الإسلام، معبّرين بحسن نيّة صادقة، أن مبادراتهم نابعة من إيمانهم العميق وشعورهم الصادق، بأن الأولوية التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، هي مراعاة واجب الأخوّة الإسلامية، والعمل من أجل وحدة المسلمين، فما يجمعهم من مبادئ وأحكام، أكثر مما يدفعهم إلى الاختلاف والتنافر.

ولو أنّ المسلمون التزموا بكتاب الله، وتدبّروا معانيه ووقفوا عن آدابه، فنهلوا منها سيرة اقتداء بصاحب القرآن صلى الله عليه وآله وسلم لكان لهم عاصما من الفرقة والاختلاف، وعجبي كيف يختلف أهل ملّة واحدة، لولا البغي والعدوان، الذي بثّته أنظمة الحكم بين أجيال القرون الأولى، وسيطرت به على رعاياها، مشجّعة على الإختلاف، ومغذّية أدواته ومنابعه، وهذا ما دعا الإمام الخميني رضوان الله عليه لكي يضع إصبعه على موضع الدّاء، ليبدأ بمعالجته معنويّا كمقدّمة لعلاج عمليّ جذري، يُتّخذ تنفيذا لأحكام الله في بناء الأمّة الواحدة.

وما عمّق أسباب الاختلاف بين المسلمين هجرهم للقرآن، بما باعد بينها وبين فهمه وتدبّره، وفي هذا قال الامام الخميني رضوان الله عليه: (إنّ مشكلة المسلمين الكبرى تتمثل في هجرهم القرآن، والإنضواء تحت لواء الآخرين.. واأسفاه أن القرآن وهو كتاب الهداية، لم يعد له من دور سوى في المقابر والمآتم، بسبب الأعداء المتآمرين والجهلة من الأصدقاء، كان الحال كذلك وما زال، فأصبح الكتاب ـ الذي ينبغي أن يكون وسيلة لتوحيد المسلمين والعالمين، ودستوراً لحياتهم، أصبح وسيلة للتفرقة وإثارة الخلاف، أو عُطّل دوره كلياً. )(2) ودعاهم إلى العودة إليه، والعمل من أجل مجتمع قرآني يَزِنُ أشياءه المهمّة، ويعرض مشاكله وقضاياه العويصة عليه، فيقول في هذا الصّدد (المهم هو أن يعمل المسلمون بالإسلام والقرآن، فالإسلام ينطوي على كلّ المسائل المرتبطة بحياة البشر في الدنيا والآخرة، وفيه كلّ ما يرتبط بتكامل الإنسان وتربيته وقِيَمه) (3)

والذين أحرجهم الإمام الخميني رحمه الله ثورة وفكرا، لم يجدوا مستمسكا لمهاجمته وتشويه دعوته، غير اتهامه بأنه شيعي داع للتشيّع – وفي موروثهم المريض أن التشيّع ليس من الاسلام- ومناصرا مشروعا وهميّا لنشر التشيع خارج إيران، فحرّكوا وسائل إعلامهم، وحثّوا أقلامهم المأجورة، على مهاجمته شخصا وفكرا ومشروعا بلا هوادة، لعلّهم بذلك يحولون دون انتشار فكره الثوري، ووضوح مقصده النّابع من عمق الإسلام، قرآنا وسير ة مُطهّرة، وقد نجحت جبهة الباطل في الحدّ من انتشار أفكار ومبادئ الامام الخميني رضوان الله عليه، بواسطة أنظمة عربية ذات سياسة تغريبية عميلة للغرب وأمريكا، كانت ترى في تلك الأفكار خطرا على وجودها، ومدعاة لكشف حقيقة ولاءاتها أمام شعوبها.

كلمات ما فتئ يرددها الإمام الخميني باعتزاز، برهنت على حرصه الشديد وتمسّكه بالإسلام، ودعوته الأساسية إلى الوحدة الإسلامية: (نحن نفخر، ويفخر شعبنا المتمسك بالإسلام والقرآن، بأننا أتباع مذهب يهدف إلى إنقاذ حقائق القرآن، الممتلئة دعوة إلى الوحدة بين المسلمين.) (4)

ولا يتبادر إلى الأذهان أن دعوته الى الوحدة كانت مجرّد أقوال كما كانت حال من سبقه ممن لا يملكون آليات تحقيقها ، فقد تأسس على عهده مؤتمر أئمة الجمعة والجماعة السنوي، ودعى المشرفون عليه شخصيات بارزة من دول العالم الاسلامي سعيا من أجل التقريب وبناء صرح لقاء دائم بين دعاة الأمّة من علماء ومفكّرين، مذكّرا أن المقاصد الآنية المترتبة عن اجتماعهم هو الإعتصام بحل الله، كما جاء في كتابه الكريم، فقال: (ليس كل اجتماع مطلوباً.. المطلوب هو الاعتصام بحبل الله.. أدعوا الناس لئلا يتشتتوا إلى فئات وجماعات(.(5)

بتصدّيه لشرح وبيان الفكر الاسلامي الأصيل، أحيا الإمام الخميني مفاهيم ومصطلحات القرآن الكريم، فكان موسم الحج منبرا لبياناته ودعواته من أجل أن يعي المسلمون جميعا أنه عبادية جوهرها ومقصدها الاجتماع من أجل تدارس قضايا الأمّة، وليس فقط من أجل أداء أركان شعيرته من تلبية وطواف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة، ووقوف بعرفة، ورمي جمار بمزدلفة، بل ليشهدوا منافع لهم أيضا، ليست هناك منفعة أكبر من الأخوّة والتفاهم والوئام، وفي هذا المجال تكررت نداءات الإمام الخميني: (والآن وبينما يتوجه مسلمو الدول المختلفة في العالم إلى كعبة الآمال وحج بيت الله الحرام وإقامة هذه الفريضة الإلهية العظيمة والمؤتمر الإسلامي الكبير، في أيام مباركة ومكان مبارك، فإنه يجب على المسلمين المبعوثين من قبل الخالق تعالى أن يستفيدوا من المحتوى السياسي والاجتماعي للحج إضافة إلى محتواه العبادي، ولا يكتفوا بالظاهر. فالكل يعلم أن أي مسؤول وأية دولة لا يمكنها إقامة مثل هذا المؤتمر العظيم، وهذه هي أوامر الباري جل وعلا التي أدت إلى انعقاد هذا المؤتمر. ومع الأسف فإنّ المسلمين على طول التاريخ لم يتمكنوا من الاستفادة بشكل جيد من هذه القوة السماوية والمؤتمر العظيم لصالح الإسلام والمسلمين.)(6)

وهذا ما أفزع أمريكا والكيان الصهيوني وأذنابهما، فتصدّوا بالرصاص الحي والحجارة لمسيرة البراءة من المشركين يوم التروية سنة 1987 قتل خلالها حوالي 450 مشاركا.(7)

دعوة قوبلت بالرفض من أنظمة عربية عميلة فتصدّى كل نظام بطريقته من أجل الحيلولة دون وصول أفكار الإمام الخميني إلى شعوبهم، فتجاهل من تجاهل نداءاته الصادقة وقطع من قطع علاقاته، رغم أنهم في واقع الأمر متيقّنون من صدق دعوته، فما بينهم وبينها غرب صهيوني ملك رقابهم، وتحكم في مصير سياساتهم البائسة.

كلمات ودعوات الامام الخميني من أجل حث شعوب الأمّة الإسلامية على الوحدة كثيرة وبليغة أكتفي منها ببعضها اليسير، لتكون تعبيرا عن حرصه الشديد لرعاية المشروع الأهمّ في حياة الأمّة:

(إننا على استعداد للدفاع عن الإسلام والبلاد الإسلامية وعن استقلالها في جميع الأحوال.. وأن برنامجنا هو برنامج الإسلام ووحدة كلمة المسلمين واتحاد الدول الإسلامية وتحقيق الأخوة مع كافة أبناء الطوائف الإسلامية.)(8)

(إننا نحرص على عزة وكرامة أبناء الأمة الإسلامية، سواء كانوا من الترك والعرب والعجم، ومن أي مكان كانوا، من أفريقيا أو أميركا(. (9)

(صحيفة الإمام ج1ص381)

(إن تعاسة المسلمين إنما هي وليدة هذه التفرقة السائدة بينهم.. فلتتضامن الشعوب الإسلامية وتضغط على حكوماتها للكف عن الاختلاف والفرقة، والامتناع عن دعم مصالح الأجانب.)(10)

(إنني آمل أن تتحقق بين الدول الإسلامية الأخوة الإسلامية حسبما أمر القرآن بذلك. فإذا ما تحققت مثل هذه الأخوة بين البلدان الإسلامية، ستتشكل قوة عظمى ليس بوسع أية قوة في العالم مواجهتها.) (11)

العلماء الربّانيون دعاة قرآن وسيرة، لا يحيدون عنها قيد أنملة، وهؤلاء وإن غاب عنا من غاب منهم تعسّفا من كتبة التاريخ فلم يذكروه إجحافا بحقه، فقد شهد من شهد عصرنا حضورهم الفاعل فيه، ينشدون بحركتهم الدؤوبة، طريق خلاص المسلمين من أنظمة عميلة، لإستكبار لا يرتضي غير استغلال مواردنا واستعبادنا شعوبا وحكومات، هدفه الأساسي إخراجنا من جوهر ديننا وفكّ ارتباطنا به بواسطة مشاريع مشبوهة لا علاقة لها بنا من قريب ولا من بعيد…

وأدعياء العلم ومشيخة التطرّف المتظاهرون بالتقوى، لهم رأي مناقض لدعوة الوحدة، ونبذ الفرقة بين المسلمين، غالبا ما كانوا على مرّ التاريخ دعاة فتنة واقتتال، بين من اجتمعوا على الإسلام عقيدة وشريعة قرآنا وسيرة، فكل داع للتفريق بين المسلمين مهما كان اسمه وموقعه، فهو فتّان دعيّ علم، برْهن على أنه خادم أعداء الإسلام من دول الغرب بزعامة أمريكا…

مرض التفتين والتفريق بين المسلمين أصاب ادعياء العلم الشيعة والسنّة على حدّ سواء، وعلى المسلمين أن ينبذوا كل دعوة نابعة من هؤلاء، ويعزلوا عناصرها ويخمدوا جذوتها، قبل أن تستفحل حريقا يصعب اطفاءه بعد ذلك، يأتي على كل أمل في اجتماع المسلمين تحت راية علمائهم الربانيين.

المصادر

1 – روّاد التقريب https://www.taghrib.org/ar/pioneers/2

2 – مقومات الوحدة ودعائمها

https://www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=16857&subcatid=1496&cid=486&supcat=6

3 – الامام الخميني رائد الوحدة الاسلامية و التقريب في عصر التفرقة

http://www.taghribnews.com/ar/report/464684/

4 – الوحدة الاسلامية في فكر الامام الخميني

5 – صحيفة الإمام ج8 ص334

6 – كلمة الإمام الخميني بعنوان الحج وأبعاده

https://books.almaaref.org/view.php?id=222#

7 – بين مجزرة مكة عام 1987 ومجزرة حجاج منى

https://www.erfan.ir/arabic/85067.html

8 – صحيفة الإمام ج1ص336

9 – صحيفة الإمام ج1ص381

10 – صحيفة الإمام ج4ص445

11- صحيفة الإمام ج8ص88

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024