لم يعُد الملف النووي الإيراني موضوع بحثٍ في التسوية الإقليمية، ربما نتيجة واقعية الرئيس الأميركي جو بايدن في مُقاربة الأمور، في تغييبٍ واضحٍ لمنطق البروباغندا غير المُجدية التي اتَّصف بها سَلَفُه دونالد ترامب، وإيران التي ابتدعت من الحصار والعقوبات المزيد من القوة الذاتية، ليست هي مَن تنصَّلت من التزاماتها، بل هي بكبسة زرّ، قادرة على تخفيض أو رفع نسبة تخصيب اليورانيوم بقرارٍ سيادي لا مجال للنقاش فيه معها، وإذا كان الآخرون يرغبون بالحوار، فإن إيران كانت الرائدة بالدعوة إليه إقليمياً، وكما لم يبقَ لدول الخمسة زائد واحد خيار سوى الحوار، كذلك الحال بالنسبة للدول الإقليمية وفي طليعتها السعودية.
وبصرف النظر عن مسار المفاوضات الإقليمية، مباشرة كانت أم غير مباشرة، فإن البارز أن دولة واثقة مثل إيران من السهل محاورتها على طاولة مكشوفة، لأنها ليس لديها ما تُخفيه، لكن الخوف هو من دُول تحمل “أجندات مُتغيِّرة” وفق المتغيرات الأميركية، بدليل، أن ما يحصل في ظل ولاية بايدن من حراك تفاوضي، كان ممنوعاً على “جماعة الأجندات” الدخول فيه في زمن ترامب، وبالتالي، آن أوان الإعتراف أن الحقوق السيادية الإيرانية، سواء تناولت القدرات النووية أو الباليستية هي مُسلَّمات سيادية، لا يُطلب من الآخرين سوى التسليم بها إذا كانوا يسعون لتحسين ظروف السلام الإقليمي.
هذه الظروف مطلوب من دول المحور الأميركي توفيرها، خاصة أن قوافل بعض دول الخليج تقرع منذ عدة أشهر أبواب دمشق، لكن هذه القوافل تحمِل أوزار التطبيع مع إسرائيل، وشبهات ما تُعرف بصفقة القرن، وتُهلِّل للسلام المصطنع مع مغتصب الأرض من الجولان الى القدس، فكيف لهذه الدول دخول دمشق دون إنزال حمولتها المرفوضة سورياً وعربياً على المستوى الشعبي وبعض الرسمي، وما هي الأثمان التي عليها دفعها عن الأرواح التي أزهقت والكوارث التي حصلت إرضاء لأميركا وإسرائيل بحق الشعوب الرافضة للنَعَم الذليلة على امتداد المساحة من صنعاء الى دمشق؟
صنعاء، سيرتحلون منها قريباً مع فلول جنودهم ومرتزقتهم والأثمان آتية، ودمشق، يدخلونها بسلام بعد أن أفقدوا سوريا كل السلام، وبعد أن توهَّم البعض منهم إمكانية دخولها بصفة “الفاتح” منذ العام 2011، بصرف النظر عن صفة هذا الفاتح الخائب، خليجياً كان أم عثمانياً،
لكن المُفارقة أن السعودية التي ستندحر من اليمن، لم تكُن الأولى التي قرعت أبواب دمشق بل سبقتها دول خليجية استفاقت قبلها على أهمية سوريا في الوطن العربي.
نعم، لن يدخل الأمير محمد بن سلمان دمشق بصفة “محمد الفاتح”، بل يطلب الودّ بعد استعداء، والسلام بعد أن تَخفُت قرقعة طبول الحرب، وعليه، متى شاء دخول بوابة دمشق بما تمثله دمشق، إنزال حمولة قافلته وإزالة الشوائب المشبوهة منها، واستخدام العقلانية التي لجأ إليها بايدن، مطلوبة من كل إبن ضال في العالم العربي، ليجد بنفسه المخرج الذي يحفظ ماء الوجه من ملوِّثات صفقة القرن وعمليات التطبيع، كي تُفتح له بوابات دمشق ويدخلها بسلام، وعندها يُمكن البحث بومضة نور على صفيح النار…