لم تكن إيران يوما في منأى عن الإستهداف الأمريكي الصهيوني وعملائهما داخل إيران وخارجها، وهي التي عبرت من خلال فِكْرِها الإسلامي الأصيل وأهداف ثورتها، عن معاداتها المبدئية للإستكبار والصهيونية، على أساس أنّهما أدوات شيطانية، لضرب وعرقلة كل محاولة تحرّر، يقوم بها شعب من شعوب العالم الثالث، للتخلّص من التبعية التي تفرضها أمريكا، بسياساتها الخارجية للسيطرة على أهمّ موارد دولها،ُ وهي سياسة أضرّت دولا وشعوبا كثيرة، لكنّ ايران كانت أكبر متضرر منها اقتصاديا واعلاميا، على مدى 45 سنة، وألحق اضرارا مادية ومعنوية بأغلب دول وشعوب العالم، متحالفة مع صنائعها الإرهابية متعدّدة الأسماء والكيانات، ومنها الكيان الصهيوني، منتصبا مغتصبا بلدا ومشردا شعبه، ومعتد على من بقي منهم صامدا على أرضه، بكل وحشية وغطرسة، لم يرتكب جرائمه كيان عنصري قبله.
جرائم أمريكا وربيبيتها الكيان الصهيوني لو استعرضناها، لما انتهينا من تعدادها نتائج ومواقع، تراوحت في اختيار ضحاياها ومناسباتها بين النّخب قيادات وعلماء ونزولا بها إلى حدّ عموم الشعب، فقد اقدم حلف الشرّ الأمريكي الصهيوني على تصفية رموز الثورة الإسلامية، انتقاما من قطع نفوذها في ايران، فكان حادث اغتيال الشهيد مرتضى مطهري، واغتيال أعضاء حزب جمهوري إسلامي، وعلى رأسهم السيد محمد بهشتي، واغتيال رئيس الجمهورية محمد على رجائي مع رئيس الوزراء محمد جواد باهنر، وكاد السيد الخامنئي يستشهد في تلك الأثناء، لولا عناية الله به وبهذا الشعب المقاوم، وطالت الإغتيالات علماء الذرّة كلّ مرّة كان آخرهم الدكتور محسن فخري زادة، ولن تتوقف عمليات أمريكا والكيان الصهيوني المستهدفة نُخَبِ إيران، فهي حسابات مفتوحة عندها، وغايتها إضعاف النظام الإسلامي، وهدفها الغير معلن إسقاطه، فهو عندهما بمثابة كابوس حقيقي بقي يطارهم، ويؤرق راحتهم منذ قيامه سنة 1979، وإعلان أهدافه التي لا تعادي استكبارهم وصهينتهم فقط، بل وتعمل على القضاء عليهما.
فمشروع المقاومة الذي أعلنته إيران، من أجل تحرير فلسطين والمنطقة من الاحتلال الصهيوني والهيمنة الأمريكية، وبدأت في احتضانه وتقويته منذ قيامها، هو الذي اعتبرته أمريكا خطرا عليها، وباشرت في محاربته بداعش، بعد أن جمعت لها فلولها من مختلف جنسيات العالم من متطرّفي الوهابية، وبدعوى التحالف الدولي ومحاربة الإرهاب، انشات قواعد عسكرية لها في العراق وسوريا، تبيّن أنّها موجّهة فقط لحركات المقاومة وليس لداعش، وقامت بتوجيه ضربات جويّة ضدّها، فقتلت من قياداتها وعناصرها ما قتلت، ولا تزال إلى اليوم تمارس نفس أسلوب الغدر في القتل، في كل من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق.
وجاء طوفان الأقصى، فأحدث زلزالا تحت أرجل المستوطنين وحكومة كيانهم الغاصب، لم تتوقعه أمريكا، أثبت الضعف الأمني والعسكري الفادح الذي ظهر عليه، برهن للمرّة الأولى أنه أوهن من بيت العنكبوت، لذلك سارعت بإرسال بوارجها مع حلفائها من الدول الأوروبية، لرفع معنويات هذا الكيان المنهارة، ما أدّى إلى تشجعيه أكثر على ارتكاب مجازر بشعة بحق الشعب الفلسطيني، في عمليات قصف بالطائرات على المدنيين في غزّة المحاصرة منذ 2014، وقد بلغ عدد ضحايا القصف الوحشي الذي تقوم به القوات الصهيونية 29.313 أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى (1)
على ساحة مواجهة المنظومة الإستكبارية ممثلة بأمريكا وحلفها الشرّير، بَنَتْ إيران سياستها الخارجية، وقيادتها على يقين تام وقناعة كاملة، من أنّ الكيان الصهيوني لا يمكنه أن يستمرّ مهيمنا على أرض فلسطين والمنطقة، من دون دعم وحماية أمريكية، لذلك عملت حسابا بكون هذه الدولة المستكبرة، ستكون العائق الحقيقي أمام زوال الكيان الصهيوني، باعتباره قاعدة متقدّمة في خدمة أهدافها الإستعمارية، في السيطرة والهيمنة على منطقة تزخر بالموارد الحيوية التي لا غنى لها عنها وتريد استغلالها بأسلوب النّهب والتحيّل.
طريق ذات الشوكة الذي اختارته إيران، هو طريق صعب ووعِرٌ يتطلّب تضحيات جسام، واقتطاف ثماره في القضاء على منظومتي الاستكبار والصهيونية، يحتاج إلى اليقظة وحسن الاستعداد دائما، وأي تهاون في الجانب الأمني سيكلّفها غاليا، كما حصل في كرمان يوم أمس، حيث تمكن الأعداء من ارتكاب مجزرة بشعة، في الذكرى الرابعة لاستشهاد اللواء الحاج قاسم سليماني 3/1/2019، ذهب ضحيتها قرابة ال100 شهيد بين أطفال ونساء ورجال وقرابة ال200 جريح (2)، سارعت الإدارة الامريكية في ظل صمت صهيوني إلى نفي أي علاقة لها بالعملية، بينما أعلنت داعش مسؤوليتها في تنفيذها، وما داعش سوى صنيعة أمريكية صهيونية، فلا يعني إعلانها بتبني التفجيرين بكرمان شيئا، ولا يُخلي مسؤولية ودور أمريكا والكيان الصهيوني، ولا يمسح بصماتهما الإرهابية في الجريمة البشعة.
وتأبى أمريكا سوى مشاركة الكيان الصهيوني، والتورّط معه في جرائم ضدّ الإنسانية، ليظهرا للعالم أنهما كيانان عنصريان إرهابيان، هما أصل بلاء شعوب هذا العالم، وبين ما وقع ولا يزال مستمرّا في غزة من إبادة شعب اغتصبت أرضه، وحُصِرَ في مساحة صغيرة حصارا لا يُطاق العيش تحت وطأته، يُراد منه الآن انهاء مقاومتها للإحتلال المهيمن عليها واجلاء أهلها قسرا خارجها، وبين ما حصل أمس في كرمان، في تشابه دور أعمال إرهابية، أرتكِبت في منتهى الفظاعة، واستهدفت أمن الشعبين الإيراني والفلسطيني، لكنّ ما أمّلته من نتائجها أمريكا ومعها الكيان الصهيوني، كان عكسيا تماما فلم تجنيا منها عالميا، سوى مزيد من الإدانة والاستنكار منها، وتعرّي الدور الأمريكي، وافتضاحه في تغطية جرائم الإرهاب الحقيقي، الذي استهدف الفلسطينيين في غزّة والإيرانيين في كرمان، نتيجة سياساتها الاجرامية، سواء نفّذتها هي مباشرة، أو بواسطة الكيان الصهيوني، أو بتبنّيات داعش، فالمصدر واحد، هو أمريكا رأس الشيطنة في عالمنا.
يوم امس كانت هناك غزّة أخرى في كرمان، وفي مناسبة لها اعتبارها التاريخي الكبير لدى الشعب الإيراني، لقد شكّل التفجيران نسخة غزّاوية مصغرة لما يرتكبه الجيش الصهيوني من جرائم بحق الفلسطينيين في القطاع المحاصر، معبّرا عن مدى انحطاط منفذيه، وبعدهم عن أيّ قيمة إنسانية، بإمكانها أن توقف القتل المجاني وتمنع إراقة الدماء البريئة، هذه الاعتداءات رغم ضراوتها وعنفها وقسوة منفذيها، لا يمكن أن تُرْهِب الشعب الإيراني ولا الفلسطيني، لأنّهما بكل بساطة، شعبين تعودا على مثل هذه الإعتداءات الجبانة من طرف أعدائهما، ولن تؤثر في مسيرتيهما في الحرية والعزة، بل اعتقد جازما بأنها ستزيد إيران عزما وإصرارا، على استكمال طريق هزم أمريكا وكيانها الغاصب، وتخليص العالم بأسره من شرورهما.
المصادر
1 – ارتفاع ضحايا عدوان الاحتلال على غزة إلى 29 ألفا و313 شهيدا ومفقودا
https://www.youm7.com/story/2024/1/4/6436208
2 – الحصيلة الأخيرة لضحايا الاعتداء الإرهابي في كرمان
https://www.alalam.ir/news/6782478/