بقلم صلاح المصري |
بعد 41 عاما على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وبعدما يقرب من 60 سنة على انطلاقتها في 1963، يمكننا التفكير فيها من حيثيات مختلفة ومتنوعة جدا.
و لعل السؤال الذي يثيره : ما هي المضامين الإسلامية في الثورة حتى تستحق هذه التسمية؟ وكيف يمكن تثبيت الحقيقة الثورية في الإسلام؟
بتعبير اسهل : مامدى واقعية المقولة المسلّمة في الشعار والتي تؤكد على أن الاسلام المحمدي دين ثوري؟ وانه ليس دينا رجعيا متناقضا مع الخصائص الثورية التي عرفتها جميع الثورات، وما مدى ثبات الخصائص الثورية الاسلامية في الثورة الإيرانية حيث يذهب البعض إلى هذه الصفة الصفة الاسلامية ضعفت وصعد طابع مذهبي محلي؟
1~ الخصائص الثورية في الإسلام.
اذا عرفنا الثورة على أنها تغيير جذري وشامل في النظام القائم فإن الاسلام في نصوصه الأساسية(القرآن الكريم والسنة المطهرة) يحتوي هذه الخاصية في أرقى درجاتها الممكنة والممتدة، حيث يضيف أبعادا معنوية في خاصيته الثورية لا تلتفت لها جميع الثورات الأخرى، فهو ثورة اجتماعية تريد استئصال الظلم والقهر والاستبداد والفساد ولكنها تمتد إلى السبب الأعمق وراء الظلم وهي المحتوىالداخلي للإنسان،” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم #أئمة ونجعلهم #الوارثين”.
وهو ما عبّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعركة الجهاد الأكبر المستمرة والتي تستهدف تزكية النفس وتنمية قدراتها المعنوية على التزام القيم النبوية الثورية وعلى التصحية في سبيل تلك القيم.
ومعركة الجهاد الأصغر التي تستهدف تصفية الآثار الإجتماعية والسياسية للظلم،لتصبح الطليعة الثورية التي حققت نتائج طيبة في خط البناء الروحي والمعنوي هي القيادة الفعلية للمجتمع وتواصل معها رحلة التكامل والرقي،
فالإسلام ثورة شاملة وشاقة ولا تتوقف مطلقا،
وثورته كدح مستمر ومتصاعد من أجل الأهداف الكبيرة أفقيا وعاموديا وعمقيا.
ان التغيير الذي يريده الإسلام، للعالمين، لا يستهدف بلدا دون غيره، ولا يريد لخيراته ان تكون حكرا على شعب دون غيره.
وقد أسس الاسلام مشروعه الثوري الكبير طيلة مسيرة النبي الأكرم ومسيرة الانبياء السابقين على هذه الثنائية الفريدة، حيث تجاوز ظاهر المشكلة الاجتماعية وتوجّه إلى السبب الأعمق الذي ينتج الظلم والفساد، “ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
2~ الثبات والجذرية والتخلق في الثورة الإسلامية.
في جميع الثورات العميقة التي قادها الأنبياء عليهم السلام، نجد ثباتا على المبادئ وتضحيات جسام قدمها هؤلاء الأنبياء. ولعل نموذج نوح عليه السلام الذي بقي متمسكا برسالته التغييرية لمدة 950 سنة، ويمكننا التأكيد على ظاهرة الثبات من خلال ان غالبية الأنبياء هاجروا، فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبعدما تعرض لصنوف كثيرة من المضايقة والحصار والتعذيب فانه لم يتنازل قيد انملة عن ثوابته الفكرية والاجتماعية وغادر وطنه في اتجاه يثرب بحثا عن منطلق جديد للثورة والتغيير، وبقيت كلماته مدوية في التاريخ عندما لقيه عمه أبو طالب الذي جاء وسيطا “و الله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ” ونفس الموقف أعلنه في الطائف بعدما طرده وبعدما تم تحريض أطفال القبيلة ضده فرموه بالحجارة فتوجه الى ربه والى كل ثائر نبوي في التاريخ ” الهي إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي”.
هذا الثبات وهذه الجذرية في عملية التغيير والثورة، يقترن بمستوى راق من التخلق والمحبة العظيمة للناس.
عندما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” انما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق ” فهو يعبّر عن حقيقة ثورية تميّز بها جميع الأنبياء عليهم السلام، ويمكننا أن ننظر بشكل مختلف الى حركة العفو الكبرى التي قادها الثائر الفاتح في مكة، وفي خطاب العفو أعلن الخاصية الثورية الاسلامية الممتدة مع الأنبياء ” أقول كما يوسف لأخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ”
أما خاصية الجذرية في الثورة النبوية فهي من ابرز الخصائص والتي كلّفت هؤلاء الثوار مواجهة مستمرة مع الظالمين والمترفين والفراعنة المختلفين،و ليس صدفة أن نتحدث عن نبي صلبوه ونبي حرقوه ونبي طردوه ونبي تآمروا عليه، ان تلك المعاناة والجراحات والعذابات انما كانت بسبب المحتوى الاجتماعي الثوري والتغيير الجذري الذي تحمله رسالة الانبياء،و لو كانت رسالة الانبياء دينية مجردة وفاقدة للبعد الاجتماعي الثوري لما وجدت أي مواجهة من طرف الانظمة الحاكمة في زمانها،
ان دعاة الدين المزيّف ورجال الدين المتاجرين بالحقائق الدينية لا يمثلون أي خطر على الظالمين،و انما يتداولون المصالح فيما بينهم، ويتقاسمون الدور في نهب ثروات المستضعفين وفي تزييف وعيهم واستلاب عقولهم.
وانما يصبح الدين معضلة ويتعرض دعاته الصادقون الى العداء والتهجير والقتل عندما يعلن العلاقة الموضوعية بين الايمان بالله والمقاومة،بين الإيمان والعدالة الاجتماعية، بين الإيمان والمساواة الإنسانية،بين الإيمان والأخوة الانسانية،بين الايمان والقيم الأخلاقية.
عندما نقرأ كلمات النبي شعيب عليه السلام مثلا في سورة الشعراء من الاية 177:
” اذ قال لهم شعيب ألا تتقون ،إني لكم رسول أمين.
فاتقوا الله وأطيعون ، وما أسالكم عليه من أجر.
أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين.
وزنوا بالقسطاس المستقيم.
ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ”
والقران الكريم يتحدث عن حقيقة المعاناة التي واجهها الانبياء وعن المخاوف الكبرى التي رافقت ثورتهم وعن حجم الشجاعة والثبات والجذرية التي تميز بها هؤلاء.
” : وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّۢ قَٰاتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰابِرِينَ”.
و في اية أخرى من سورة الأحزاب 39:
” الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا ”
من هي الجهة التي يمكن أن يخشاها ثائر يدعو إلى التوحيد والعدل ؟ من هي الجهة التي ستهددها دعوة التغيير الجذري؟ انها السلطة بمختلف أشكالها والتي اصطدمت بها ثورة الأنبياء واعتبر القرآن الكريم ان أحد أهم الخصائص الثورية في الانبياء أنهم لا يخافون فراعنة زمانهم ويخشون طغاة زمانهم،و لا يخشون المترفين من ابناء زمانهم،
” لا يخشون أحدا إلا الله “.