الشرخ الأوروبي – الأمريكي يواصل التعمق، ورغم استحالة الانفصال بين ضفتي الأطلسي انطلاقاً من ارتباطات وتحالفات لا يمكن تجاهلها، لكن القول إن العلاقات بين الطرفين على حالها أو تزداد تماسكاً يخالف الوضع الراهن، ولاسيما أن الخلافات الأوروبية – الأمريكية باتت ظاهرة وبشكل علني.
مثلاً العلاقات الأمريكية – الألمانية وصلت إلى الحضيض بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية بين البلدين، على حد تعبير مجلة «دير شبيغل» الألمانية، مشيرة إلى أن نظرة الألمان للولايات المتحدة الأمريكية باتت سلبية أكثر من أي وقت مضى.
السبب الأساس وراء ما وصلت إليه العلاقة بين واشنطن وبرلين على وجه التحديد، رغبة الأولى بانضواء الأوروبيين تحت مظلتها وتدفيعهم ثمن ذاك الانضواء، بينما تسعى الأخيرة إلى لعب دور أكبر ومستقل على الساحة السياسية الدولية -ولاسيما أنها القوة الاقتصادية الكبرى في الاتحاد الأوروبي- يخدمها في ذلك الوضع الراهن في سياق تعدد اللاعبين الدوليين على الساحة وانتهاء زمن القطبية الأحادية من جهة، ومن جهة أخرى اهتزاز الساحة البريطانية التي تعج بشؤون «بريكست» بالاتفاق أو دونه، ما يفسح المجال بشكل أكبر لألمانيا.
الخلاف الأكبر بين ألمانيا والولايات المتحدة واضح، وبالمقابل تجد برلين في العلاقة مع موسكو ما يحقق مصالحها ويضمن لها علاقات بعيداً عن السيطرة والابتزاز، وهو الأمر الذي يقلق واشنطن كون روسيا (العدو التقليدي) وفق رؤية واشنطن ومحاربتها جزء أساس من الاستراتيجية الأمريكية.
الخلافات الأمريكية – الألمانية ظهرت بصورة كبيرة في الموقف المتباين من الاتفاق النووي الإيراني وبصورة أكبر مؤخراً بالرفض الألماني لطلب أمريكا بإرسال قوات لمنطقة الخليج كجزء من التحالف الذي تنوي واشنطن إقامته تحت مزاعم «حماية الملاحة» في مضيق هرمز، مع رفض طلب آخر بإرسال قوات برية إلى سورية.
تعود أزمة الثقة بين الحلفاء لتطفو على السطح في العديد من القضايا المشتركة، ولاسيما أن الأوروبيين باتوا يدركون حقيقة أن أمريكا تسعى لتحقيق مصالحها الذاتية، بدليل قول رئيس وزراء ولاية ساكسونيا الألمانية ميخائيل كريتشمير: إن عقوبات أمريكا ضد روسيا تخدم مصالحها الذاتية وتضر بالعلاقة بين موسكو وبرلين.
وبذلك نجد أن العلاقات الأمريكية – الأوروبية والألمانية خصوصاً تتجه إلى أطوار أكثر تبايناً نظراً لتباين المصالح والظروف الراهنة، دون الوصول بها إلى الانفصال والتفكك ففي الواقع ما يجمعها أكثر مما يفرقهما.