– تشير المعلومات الواردة من فيينا عبر مصادر دبلوماسيّة رفيعة إلى أن التقدّم في المفاوضات تسارَعَ بعد تصعيد كيان الاحتلال ومحاولته دفع الأمور نحو المواجهة، ربما بتنسيق مع واشنطن لتحسين شروط التفاوض، ليظهر أن مواصلة التصعيد ستؤدي الى توريط واشنطن في حرب لا تريدها مع إيران. وتقول المعلومات إن روسيا لعبت دوراً في تقديم الضمانات المتبادلة للفريقين لتقليص مدة الإجراءات المتقابلة لرفع العقوبات الأميركية وعودة إيران إلى التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، بالتوازي مع جعل الحزمة الرئيسية من العقوبات التي يطالها الرفع متضمّنة للعقوبات على متاجرة إيران مع العالم وفتح الاعتمادات، والمؤسسات النفطية والمصرفية، وتحرير الودائع الإيرانية المجمدة. وبالتوازي تسعى موسكو لجعل مدة العودة الكاملة المتبادلة الى الاتفاق من واشنطن وطهران أقل من شهرين، على أن تبدأ بإعلان متزامن بالعودة تضمن تنفيذ موجباته موسكو، ومعها الشركاء الآخرون في الاتفاق.
– بالتوازي مع هذا التطور، قدّم الرئيس الأميركي جو بايدن عرضاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد لقاء قمة لمناقشة القضايا الخلافية، في ضوء التصعيد بالعقوبات الذي أشعل غضب موسكو، وما رافقه من تصعيد ميدانيّ في أوكرانيا، وجاء الرد الروسي بالتريث طلباً لتفاهمات مسبقة وإجراءات إعادة ثقة تسبقان القمة، كي لا تكون مجرد حملة علاقات عامة لامتصاص الغضب الروسي. وتقول المعلومات إن موسكو وضعت النجاح بالعودة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران، شرطاً لمناقشة جدول أعمال القمة وإعطاء الموافقة على عقدها. وهذا يعني أن العالم المحكوم وفقاً للاستراتيجية التي أعلنها بايدن باعتبار المواجهة الأميركية مع روسيا والصين عنواناً لسياساته الجديدة، بات أمام معادلة معاكسة، مضمونها، ترابط ملفات العلاقة الأميركية بكل من إيران وروسيا والصين، حيث التفاهمات العميقة بين أطراف المثلث الآسيوي الصاعد، تقطع الطريق على استراتيجية بايدن، التي بنيت على الرهان على فرص الاستفراد، لعقد صفقة مع روسيا تخرج إيران من سورية، وصفقة مع الصين تعزل إيران، وصفقة مع إيران مقابل فك تحالفها مع روسيا والصين، وبات واضحاً قبل اكتمال مئة يوم على بدء ولاية بايدن أن رهانه خاسر.
– تتموضع واشنطن سريعاً عند خط المتغيرات، وهي تكتشف أن عليها الاختيار بين مواصلة خيار المواجهة الاستنزافي بلا أفق سياسي، لمعارك يائسة يريدها حلفاؤها في اليمن وسورية وأوكرانيا وتايوان، أو الذهاب لتهدئة تشكل العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بدايتها، خصوصاً بعدما حاولت واشنطن رعاية تغيير في السعودية من داخل الأسرة المالكة يطيح بولي العهد محمد بن سلمان، انطلاقاً من قطر، وتدخلت روسيا عبر تركيا وقطر لإحباط العملية، وتابعت موسكو تحرّكها لفتح قنوات بين تركيا والسعودية أنتجت وقف القنوات التي يديرها الأخوان المسلمون في تركيا ضد مصر والسعودية والإمارات، بينما حصلت موسكو على مواقف داعمة لعودة سورية الى الجامعة العربية من دول الخليج، ما تسبب بتوتر كبير في العلااقات الروسية الأميركية واتهامات للرئيس بوتين بالسعي لإنشاء حلف مناهض لحقوق الإنسان يضمه مع الرئيس الصيني والرئيس التركي وولي العهد السعودي، لكن في الحصيلة خسرت واشنطن رهانها على تفرقة الثلاثي الروسي الصيني الإيراني، ثم خسرت رهانها الثاني على اتخاذ الدفاع عن حقوق الإنسان عنواناً لمواجهتها مع روسيا والصين وإيران، بعد الترسمل بالمواجهة مع محمد بن سلمان ومن بعده رجب أردوغان.
– الاتفاق النووي سيشكل عنوان الاختبار الأهم للمرحلة التي سيدخلها العالم، كما سيشكل المختبر الأهم للسياسات الأميركية الجديدة وقدرتها على الصمود، وحاجتها للتأقلم مع متغيرات كبيرة شهدها العالم، خصوصاً على الساحة الآسيوية، بينما لا تزال السياسات الأميركية تعيش في الماضي.