بقلم محمد النوباني |
يلاحظ المتابعون للشأن الخليجي أن الخطوات التي تقوم بها بعض دول الخليج وفي مقدمتها السعودية للإنفتاح على الكيان الإسرائيلي وتمهيد الرأي العام في بلدانها لإقامة علاقات دبلوماسية وربما عقد معاهدات سلام معه تزداد سرعة كلما شعر حكام تلك الدول أن هذا هو اقصر الطرق لإرضاء ترامب والتخفيف من البدل المالي الذي يتوجب عليهم دفعه له مقابل الحماية.
كما يلاحظ أن هذه الهرولة نحو إسرائيل تقترن بحملة غير مسبوقة ضد الشعب الفلسطيني بلغت ذروتها بإتهامه ببيع وطنه مقابل المال وبأنه يتسول المساعدات المالية من دول العالم وفي مقدمتها دول الخليج وتوقيع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على آتفاق آوسلو اكبر دليل.
صحيح ان الخطيئة التي ارتكبتها منظمة التحرير الفلسطبنية بتوقيع إتفاقية آوسلو مع إسرائيل وما نجم عن ذلك من إعتراف فلسطيني رسمي بحق اسرائيل بألوجود على ٧٨% من فلسطين التاريخية وإخضاع ما تبقى منها لمفاوضات عبثية كرست الإحتلال والإستيطان والتهويد قد اضر بالقضية الفلسطينية زود تلك الأنظمة بمبرر إضافي لهرولة نحو إسرائيل إلا أن ذلك لا يعكس كل الحقيقة بل جزءأُ صغيرأً جداً منها.
غني عن القول ان توقيع إتفاقية آوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وما نجم عن ذلك من إعتراف فلسطيني رسمي بحق اسرائيل بالوجود على ٧٨% من فلسطين التاريخية وإخضاع ما تبقى منها لمفاوضات عبثية كرست الإحتلال والإستيطان والتهويد قد الحق أضرارا لا حصر لها بالقضية ومكن إسرائيل من إقامة علاقات دبلوماسية وإقتصادية وعسكرية مع دول وازنة ومؤثرة في العالم ومنها الصين والهند ودول كثيرة في آسيا وإفريقيا وامريكا اللآتينية.
ولذلك فقد وجدنا بأن الدول التي كانت تصنف ذات يوم بأنها مناصرة لقضيتنا لم تعد تكترث بنا و تسارع لتطبيع علاقاتها مع عدونا ليس سببه ضغف الآداء الدبلوماسي لممثليات و سفارات السلطة الفلسطينية المنتشرة في مختلف انحاء العالم، كما يعتقد البعض، فهذا سبب ثانوي، بل لانها لا تستطيع وهي ترى السلطة الفلسطينية تتطبع علاقاتها مع اسرائيل ان تكون فلسطينية اكثر من الفلسطينيين انفسهم زتتجاهل حقيقة مهمة وهي ان التطبيع مع إسرائيل يجلب لها منافع إقتصادية من ناحية ويفتح لها الابواب الى واشنطن من ناحية اخرى وهذا بالنسبة لها أهم من الفلسطينيين والعرب الذين لم يعد لهم تأثير في السياسات الدولية.
ومع ذلك فإنه يخطئ من يعتقد بأن ما نشاهده في هذه الايام من هرولة بعض الانظمة والنخب الثقافية والإعلامية العربية وتحديداً الخليجية من تطبيع مع إسرائيل وصل مؤخرا إلى حد تبني الرواية الصهيونية من خلال مسلسل”أم هارون”
وطلب احد الإعلاميين السعوديين من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بحرق وإبادة الفلسطينيبن سببه إتفاق آوسلو وتنازلات السلطة الفلسطينية.
فعلاقات بعض الدول والنخب العربية مع إسرائيل تمتد جذورها الى البدايات المبكرة للمشروع الصهيوني في فلسطين،ولكنها ظلت طي الكتمان ولم تنتقل من السر الى العلن بسبب خوف تلك الانظمة والنخب من شعوبها، كما أن توقيع إتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل سبق توقيع اتفاقية آوسلو بقرابة ١٥ عاماً.
ولكن هذا المستوى من العلاقة بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق وإنفراد امريكا بالسيطرة على العالم في إطار احادية القطب و الانهيارات التي حدثت في الوضع العربي جراء الغزو الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣ وتدمير ليبيا عام ٢٠١١ والحرب العالمية التي شنت على سوريا والعدوان السعودي الإماراتي على اليمن عام ٢٠١٦ وفوز الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب في الإنتخابات التي جرت أواخر هذا العام لم يعد كافيا فكان لا بد من الإنتقال بتلك العلاقة من السر إلى العلن.
والخطير في هذا الإنتقال أنه لم يقتصر على البناء الفوقي اي بين مسؤولين خليجيين و اسرائيليبن ولا على عقد الشق الآقتصادي من صفقة القرن في البحرين ولا على تبادل الزيارات واستقبال الوفود الرياضية بل أخذ مؤخرا بالانتقال الى تحت في إطار عملية منظمة لتشويه الوعي الجماهيري والتذرع ببعض القضايا الثانوية لتبرير التخلي عن القضية الفلسطينية وآخر الدلائل على ذلك الهاشتاغ السعودي ” فلسطين ليست قضيتي”.
فخطورة ما يجري ان بعض الحكومات الخليجية لم تعد تكتفي ببقاء علاقاتها مع إسرائيل في الإطار الرسمي بل اخذت تنقله من هذا المستوى إلى مستوى اكثر خطورة وهو تبني للرواية الصهيونية بالكامل ومد جسور ثقافية وفنية وإعلامية مع إسرائيل كخطوة على طريق إعتناق الاديولوجيا الصهيونية فكرا وممارسة.
وفي هذا الأطار فقد قالت لجنة الجماهير العربية في داخل اراضي عام ١٩٤٨ الفلسطينية في بيان اصدرته اول امس ان مسلسلي “ام هارون ” و”مخرج٧”اللذين انتجتهما محطة التلفزة السعودية (إم.بي.سي.)ليس تطببعاً فحسب إنما هما إشهار للخيانة والولاء للصهيونية مؤكدة بانها تفرق بين الانظمة والشعوب وبين الحكام ولا ترضى باي إساءة للشعوب بجريرة الحكام لكنها تربيان العبد الامريكي بن سلمان وقناة “ام. بي. سي” والمنتجون والممثلون والطواقم الفنية هم جزء من بغاء الولاء للصهيونية وترامب.
ولم يستبعد المحامي الفلسطيني المقدسي والخبير في الشؤون الاسرائيلية وعضو المجلس التشربعي الاسبق عن القدس الصحفي زياد ابو زياد ان يكون كاتب سيناريو مسلسل ام هارون هو شخصية دبلوماسية اسرائيلية سابقة لان المسلسل يعبر بدقة عن وجهة النظر الاسرائيلية لهذا المجال.
وما طرحة زباد ابو زياد هو امر فيه الكثير من الوجاهة لأن اسرائيل سبق لها بعد توقيع اتفاقية آوسلو ان طرحت في إطار رؤيتها للحل النهائي لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم بموجب قرار الامم المتحدة رقم ١٩٤ حلاً تصفوياً يتم إعادة جزء بسيط منهم الى الضفة الغربية وقطاع غزة وقيام الدول العربية بدفع تعويضات لهم مقابل الاملاك التي تركها اليهود في الدول العربية وهذا سيفتح المجال الآن لإسرائيل لكي تجبر دولاُ عربية ومن ضمنها خليجية ربما بواسطة ترامب على دفع مبالغ مادية طائلة لها.
ولكن ما يعطينا الثقة بأن الخليج لن يكون لقمة صائغة للمتصهينين هو ذلك الموقف المشرف لامير الكويت الذي امر بمنع عرض المسلسل الصهيوني”أم هارون” على التلفزيون الرسمي وكذلك تلك الاصوات الشريفة الرافضة للتطببع التي بدأت تخرج من السعودية ودول خليجية اخرى رغم التعتيم الإعلامي الرسمي .