الثلاثاء , 19 نوفمبر 2024
Breaking News

تونس عمق الجزائر الإستراتيجي لن تكون أمريكية…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم تكن الإدارة الأمريكية لتترك بلدا بكيانه السلطوي المنتخب من الشعب، يقرّر سياسة دولته بكل حرية، وهي التي دأبت منذ زمان، على التدخّل في شؤون بلدان العالم الثالث، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى بقية ما بقي من أوروبا الشرقية، وهي تحاول بذلك جاهدة وبكل الوسائل الخبيثة، استعادة نفوذ كان مستحكما بقوّة في تلك البلدان، بدأ ينحسر عن دول ارتفع منسوب أصواتها عاليا، رافضا تدخّلاتها في شؤونها الداخلية، تحت أي مسمّى، وبأيّ مبرّر كان، وعادة ما تظهر تصريحات الإدارة الأمريكية على ألسنة رئيسها (جو بايدن) وزراء خارجيته ودفاعه وأحيانا أعضاء الكونغرس، موجّهَة إلى دول بعينها، ناقدة أوضاعها بما تراه سياستها غير مناسب لها، وهذه طبيعة السياسة الأمريكية المتلوّنة كالحرباء، منذ أن بدأت تدخّلاتها بعد الحرب الكونية الثانية.

وتتناقض هذه السياسة في أسلوبها وأدائها تناقضا كاملا، عندما تظهر الإدارة الأمريكية على عهد الرئيس السابق ترامب والحالي بايدن، مفضوحة في صمتها وسكوتها المتواصل على دول الخليج كقطر والإمارات والسعودية والبحرين، التي لا تمتلك شيئا من الديمقراطية التي تنادي بها، وتتظاهر بحمايتها من الأنظمة الغير ديمقراطية، في وضع يكاد يكون وصاية على تلك الدّول، ما لم تتحرك لكبح جماح هذه الادارة المستكبرة، ووضعها عند حدودها لتعرف قدرها، وتبتعد عن استفزازاتها المتكررة.

وما كنّا نخلص من التصريحات السابقة التي صدرت عن السفير الأمريكي الجديد بتونس(1)،

حتى جاء دور وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن)، ليدلي بدلوه في الشأن الداخلي التونسي، بتصريح في حفل تغيير القيادة العسكرية الأمريكية (لأفريكوم) قال فيه أنه كأمريكي يقاتل في جميع انحاء القارّة الأفريقية من أجل من أسماهم أولئك الذين يدعمون الديمقراطية والحريّة وسيادة القانون، ضد قوى الاستبداد والفوضى والفساد. وأضاف زير الدفاع الأمريكي أنه بإمكانه أن يستشعر هذه الرياح المعاكسة في تونس، التي ألهم شعبها العالم بمطالبه بالديمقراطية، معتبرا أن الحلم التونسي بات مهدّدا حسب تعبيره. وأضاف الوزير في هذا السياق، أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم أصدقائها في تونس، وفي أي مكان في أفريقيا، ممن يسعون إلى تشكيل ديمقراطيات منفتحة وخاضعة للمساءلة وشاملة، أمّا في أماكن أخرى في أفريقيا فنجد الديمقراطية مهددة، ويقوم بعض القادة بقمع الحريات المدنية والاستسلام للفساد، أو خنق ارادة الشعب.(2)

تصريح خطير بل في منتهى الخطورة جرى على لسان أمريكي، بلغ من الوقاحة مبلغا، لم يعد يهمّه جرح الشعور الوطني لأيّ بلد تتدخّل الإدارة الأمريكية في شؤونه الداخلية، مهما كان مستفزّا، طالما أنّ هدفه أمريكي بحت لا يهمّه من أمر دول أفريقيا وشعوبها شيئا، سوى حماية مصالح أمريكا الاقتصادية بتوسيع سوق منتجاتها الصناعية، واستغلال مواردها الطبيعية بأقصى حد ممكن، وقوات (الأفريكوم AFRICOM) هي قوات استعمارية استكبارية، لم تنشئها أمريكا لأجل شيء من عيون هذه القارة المظلومة، بل لحماية الأنظمة العميلة لأمريكا، والقائمة على مشاركتها في التّواجد العسكري هنا، وعلى رأس هذه الدّول المملكة المغربية، وفي نفس الوقت، يعتبر وجود هذه القوات الدخيلة على أفريقيا، تهديدا لدول رافضة من حيث المبدأ، الإنضواء تحت مظلة التبعية والعمالة الأمريكية، والتي تسعى إدارتها لإعادة تنظيمها وهيكلتها من جديد.

جدير بالذّكر أن (أفريكوم) تأسست بقرار من الكونغرس الأمريكي سنة 2007، وقد اتخذت قيادته من مدينة (شتوتغارت) الألمانية مقرا لها، بعد تحفظ أغلب الدّول الأفريقية من توطينه في بلدانها، وهي واحدة من 11 قيادة، موحّدة تحت وزارة الدفاع الأمريكي (البانتاغون) حول العالم، وتاسع مركز من حيث الأهمّية، ولها مسؤولية العمليات العسكرية الخاصة والطارئة بأفريقيا، والتدريبات والتعاون الأمني(3).

اعتبر (سامي الطاهري)، الناطق الرسمي للإتحاد العام التونسي للشغل، أن تصريح وزير الدفاع الأمريكي (لويد أوستن) عن تونس يمثل تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي للبلاد.

وجاء تصريح (الطاهري)، الذي نشره على “فيسبوك”، تعليقًا على تصريح (أوستن)، الذي أكد فيه أن واشنطن لن تتخلى عن من وصفهم بـ”أصدقائها في تونس”، حسبما ذكرت قناة “نسمة” التونسية، اليوم الأربعاء. واعتبر (الطاهري) أنه أصبح هناك من “يتمتعون بالرعاية الأمريكية في تونس وأن هؤلاء قد يعودون للحكم على ظهر دبابة”.(4)

هؤلاء الذين وصفهم وزير الدفاع الأمريكي بأنهم أصدقاء أمريكا، وهم بالطبع كل من استجار بأمريكا وفرنسا، من إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية 2021، ولا يهمّنا من ذكر أسمائهم شيء، فالعملاء عادة ما يكون مآلهم العار والشّنار ومستودعهم مزبلة التاريخ، فريقان أساسيان لا بأس من ذكر تياريهما الفكري، حركة أجهضت تجربة الاسلام السياسي قبل أن يؤول اليها الحكم، والحمد لله أنه لم يصل إلى ذلك الحدّ، والنتيجة أن تحول قسم كبير من متعاطف ومناصر لهذه الحركة إلى معاد لها، ورافض تماما أن تعود إلى دفّة الحكم، أسهمت بغباء في عودة عسكر النظام القديم، بغضّ النظر عن المطالب الشعبية بتحقيق مسار العدالة الإنتقالية، التي من شأنها أن تمنع عودة هؤلاء الأشخاص إلى ممارسة أي نشاط سياسي.

وبالإمكان القول، بأن هناك تحالفا نشأ بين لوبيات الفساد، وقوى العمالة في تونس، من أجل إجهاض حركة الرئيس قيس سعيد، وإعادة عناصر الفساد والعمالة إلى مواقعهم في الحكم، ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد عبّرت بما فيه الكفاية عن موقفها الرسمي، وهو حاليا ليس مع تغيير 25 جويلية فهمت أهدافه أم تغاضت عنها فذلك لا يهمّها، وأمريكا واقعا لا تريد استقرارا في أيّ بلد، مما يعطيها مجالا أوسع لاستغلال أوضاعه كل على حِدَة.

إنّ الخروج من دائرة الهيمنة الأمريكية هو هدف أسمى لكل أفراد شعبنا فعزة الوطن كرامة للمواطن، ولا خير في عيش تحت ذلّ الهيمنة الأمريكية والغربية، وجاهلية عنترة بن شداد بالمقارنة مع محاولات طالبي التدخل في شؤون بلادنا الداخلية، خير من دعاة خيانة دولتنا وشــعبنا وتاريخنا النضالي   الرافض لعلاقات الدّون، شاعرنا عنترة قال:

اِختَرْ لِــنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ   أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسْطَلِ

فَالمَوتُ لا يُــنجيكَ مِن آفاتِهِ   حِـصْنٌ وَلَـو شَــيَّدتَهُ بِالـــجَنْدَلِ

مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ   مِن أَنْ يَبيتَ أَسيرَ طَرْفٍ أَكْحَلِ (5)

المصادر

1 – رابطة الدفاع عن حقوق الانسان تدعو الى الإحتجاج أمام السفارة الأمريكية ‘تنديدا بالتدخل في الشأن التونسي https://www.shemsfm.net/amp/ar/

2 – تصريح وزيد الدفاع الأمريكي خطير وفيه اعتداء على تونس وعلى حق الشعب التونسي في تقرير مصيره (فيديو) https://kapitalis.com/anbaa-tounes/2022/08/10/

3 – أفريكوم إعادة التمركز ومستقبل الدّور في ظل إدارة بايدن

https://trendsresearch.org/ar/insight/

4 – الاتحاد العام للشغل: تصريحات وزير الدفاع الأمريكي «تدخل سافر» في الشأن التونسي

https://m.akhbarelyom.com/news/newdetails/3846738/1/

5 – مقولة https://www.maqola.net/quote/43157/

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024