الأحد , 17 نوفمبر 2024
Breaking News

جاسوس ذرفت عليه بريطانيا دموع التماسيح…بقلم محمد الرصافي المقداد

الجوسسة مجال خطير وشديد الحساسية من بين أجهزة الدّول، اتخذت منه سبيلا ووسيلة لاقتناص المعلومات التي تهمّها وتحتاجها من دول أخرى، متعلّقة ببرامجها العسكرية والأمنية والعلمية الاقتصادية والتقنية، وقد تبارت وتنافست فيه القوتان الأكبر أمريكا والاتحاد السوفييتي، طوال الحرب الباردة بينهما (1947/1991)، حين كان (كل جانب كان يتحضر لمحاربة الآخر، فقد كانت الاستخبارات عن نوايا الجانب المعارض، الجيش، التكنولوجيا على أهمية كبيرة. واعتمد الطرفان على تشكيلة واسعة من الوكالات المدنية والعسكرية لجمع المعلومات.(1)

وتُعتبر أجهزة المخابرات معيار قوة هذه الدولة أو تلك، حسب مردودية تلك الأجهزة في حماية مصالح البلاد، ومدى نجاحها في كشف نشاطات الأعداء التجسسية، وكل نجاح يتحقّق في هذا المجال من شأنه أن يجنب البلدان المستهدفة، من تسريب معلوماتها الحساسة إلى خارج حدودها، واستفادة أعدائها منها، ولما كانت إيران هدفا ذا أولويّة كبرى لدى دول الغرب، وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا، فقد تكاتفت جهودها على تجنيد ما أمكنها من عملاء، ليعملوا لفائدتها في جمع معلومات دقيقة، بخصوص برامجها العلمية والتقنية العسكرية والأمنية.

وقد أثبتت أجهزة مكافحة التجسس في إيران، وتشرف عليها وزارة الاستخبارات، كفاءة وقدرة على كشف العملاء سواء كانوا من رعايا الدولة من أعراق مختلفة، أو من الوافدين إليها من جنسيات أخرى من الخارج، بمبرّرات شتى إعلامية أو فنّية أو سياحية، وقد تمكنت من القبض على العشرات من هؤلاء طوال أربعة عقود من الزمن، وتوفيق من الله في حفظ هذا النظام الإسلامي الرائد، أمكن تجنيب البلاد مؤامرات عديدة وتسريب معلومات خطيرة، هو صراع خفيّ ومواجهة غير معلنة، تجنّدت جميعها لأجل خدمة الكيان الصهيوني الذي يبدو أنه ماسك بملف الفوز بالمعلومات من الدول الغربية، ومن طريقه أيضا، فقد (أوقفت أجهزة الاستخبارات شبكة التي كانت تخطط لعمليات تخريبية ضد أنظمة الصناعات الدفاعية، وحددت وزارة الاستخبارات الشبكة، التي قالت إنها كانت تخطط “لتخريب صناعة الدفاع الإيرانية من خلال إنشاء شركات تسويق وتغطية أمنية”.(2)

أشارت الوزارة إلى أنه تم التعرف على 23 عنصراً في محافظات: طهران، وأصفهان، ويزد، وأذربيجان الغربية، وغلستان”، لافتةً إلى اعتقال 13 شخصاً، كانوا متواجدين داخل البلاد، ومصادرة معداتهم العملياتية المختلفة حتى الآن، وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية أعلنت، في وقتٍ سابق، تفكيك عدد من شبكات التجسس والتخريب، تعمل لصالح جهاز الموساد الصهيوني وجهات غربية، كانت تخطط لشن عمليات إرهابية في إيران.(3)

أخيرا وفي خضمّ هذا الصراع، وقع الكشف عن أكبر صيد تجسّسي حصلت عليه أجهزة الإستخبارات الإيرانية، ولم يكن ذلك سهلا لأنّ الرجل كان بعيدا عن الشبهات، وطالما أن الله سبحانه قضى أمرا بالدفاع عن عباده المؤمنين المدافعين عن دينه، والحاملين لمسؤولية التمهيد لوليّه الأعظم، فقد توفقوا بعد ورود معلومات مريبة بشأن علي رضا أكبري، متابعات عديدة ومراقبة لشخصه، تم القبض عليه بعد استدراجه إلى داخل إيران، وفتح تحقيقات معه بالقرائن المجموعة ضده فلم يسعه إنكار علاقته بالمخابرات البريطانية أم16، واعترف بتفاصيل استدراجه من طرفها ودعوته إلى أوروبا، ليبدأ مشواره معها، كجاسوس يعمل لفائدتها ضد مصالح بلاده الأم، وحسب ما جاء في اعترافاته التي نُشِرت فإنه أُخضِع لدورات تأهيلية في عواصم أوروبية مختلفة، تحت عناوين مموّهة كتلقي علاج، للتخلص من آثار جلطة وهميّة، وفترات نقاهة بعدها، وأخيرا استقر مقامه وعائلته في بريطانيا، ليعيش رفاهية لم تمنحها بريطانيا له لسواد عينيه، أغدقت عليه فيها أموالا ضخمة(4)، مقابل ما قدّمه لها من معلومات هامة، قدّروها بتلك القيمة، هذا فوق منحه الجنسية البريطانية، مكافأة أخرى له على خدماته التجسّسية، التي لم تكن بريطانيا لتحصل عليها من دونه.

يبدو أن تجنيد علي رضا أكبري من طرف جهاز المخابرات البريطاني جرى داخل إيران، (من خلال مراجعاته لاستصدار تأشيرة دخول إلى السفارة البريطانية في طهران، تم استقطابه والتواصل معه بواسطة عناصر استخبارات متمركزين في السفارة (5) ثم طُلب منه بعد ذلك، مغادرة البلاد، حيث تم الإتفاق معه، وتوظيفه بشكل كامل من قبل جهاز التجسس البريطاني، نظرا لأهمّيته كمسؤول إيراني، شغل مناصب حسّاسة في البلاد، ويمتلك مخزونا هاما من المعلومات، التي يبحث عنها الغربيون والصهالينة، وكان بمثابة الكنز الذي حصلوا عليه، لكن ما لم تحسب له بريطانيا حسابا، أن تتمكن المخابرات الإيرانية من كشف هذا العنصر، وتحديد العلاقة الرابطة بينه وبين جهة التخابر الأجنبية، صفعة قاسية تلقتها بريطانيا، ومن وراها الكيان الصهيوني وأمريكا، بخسارة رجل يصعب عليهم تعويضه مستقبلا، ويحتاجون إلى سنوات أخرى قد تطول، حتى يعثروا على بائع آخر لدينه ووطنه، بأزهد الأثمان مقابل خيانة لا تُمحى.

من بين الأعمال العدائية التي تورط فيها أكبري، تقديمه معلومات وتسهيلات ساعدت على اغتيال العالم الشهيد فخري زادة، فقد (نشرت وكالة “إرنا”، أمس الخميس، مقطعًا مصورًا لنائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق، علي رضا أكبري، يعترف فيه أنه لعب دورا في اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، في العام 2020.)(6)

صدور الحكم النهائي والبات بإعدام أكبري، جعل بريطانيا ومعها حلفاؤها الغربيين تطالب السلطات الإيرانية بعدم تنفيذ الحكم الصادر بحق جاسوسها، الذي منحته الجنسية البريطانية لتكون وسيلة انقاذ له، اذا كشف أمره والقي عليه القبض وصدر بشانه حكم يهدد حياته، وقد جرت العادة بمبادلة الجواسيس بين الدول، كل بحسب قيمته في عالم الجوسسة، وما يمتلك من رصيد معلوماتي أفاد المصدر المشغل له، وحرص ذلك المصدر على إنقاذ حياته، بالترغيب والتهديد والوعيد، وهذا ما لا يدخل بأي حال من الأحوال في حسابات النظام الإسلامي في إيران، فصدر أمر تنفيذ الحكم القضائي العادل بشأنه، ووقع التنفيذ يوم 11/1/2023(7)، ومن يقدر على تنفيذ وعيده من دول الغرب فلتفعل، إن كان لها الشجاعة على القيام بذلك.

المراجع

1 – تجسس الحرب الباردة

https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – إيران تعلن تفكيك شبكة تجسس تقول إنها تعمل لصالح الموساد

https://sputnikarabic.ae/20221218/-1071336593.html

3 – إيران تعلن تفكيك 6 خلايا تجسس لصالح الموساد والقاء القبض على عدد منهم

https://hadfnews.ps/post/111847/

4 – إيران تكشف عن المبالغ التي تحصل عليها أكبري

https://arabi21.com/storyamp/1487897/

5 – القصاص العادل.. إيران تعلن اليوم السبت عن تنفيذ حكم الإعدام بحق علي أكبري “كبير جواسيس بريطانيا”

https://almajd.net/2023/01/14/

6 – إيران… علي رضا أكبري يعترف بضلوعه في اغتيال العالم النووي فخري زاده

https://sputnikarabic.ae/2023011387-1072217541.html

7 – إيران تعلن عن تنفيذ الإعدام بحق علي رضا أكبري بعد إدانته بالتجسس

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/01/14/urgent-iran-executes-dual-british-iranian-citizen

Check Also

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024