أصدر الديوان الجزائري للمطبوعات الجامعية (هيئة نشر تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي)، منذ أيام قليلة، ترجمة لديوان مولانا جلال الدين الرومي ‘مثنوي معنوي’ تحت عنوان ‘الديوان العربي لمولانا جلال الدين الرومي ديوان العشاق وينبوع الاذواق’.
وترجم الديوان الأستاذة بجامعة الجزائر وجامعة تولوز ورئيسة الجمعية المتوسطية للتربية المقارنة ‘عائشة محرزي’ اعتمادا على النسخة الفرنسية التي نقلها عبد الغفور روان فرهاد من الفارسية، ومراجعة وتقديم وتعليق الأستاذ ‘محمد شطوطي’.
وبحسب ما تشير إليه المترجمة في المقدمة، فإن الترجمة جمعت الأبيات الشعرية المنشورة من الديوان الضخم ‘مثنوي’ مشيرة إلى أن ‘الأبيات الشعرية المنقولة لم تكن مكتوبة كلها في بدايتها باللغة العربية، بل كانت تتخللها كلماتٌ وجمل فارسية، بعيدة عن اللغة العربية، مما جعلها غير مفهومة بالنسبة إلى القارئ العربي’.
وأوضحت محرزي أن ‘من جملة ما ورد في شعر جلال الدين الرومي الصوفي الذي هو فيض من الصور الجمالية التي تعبر عن نفس مشدودة بالمحبة إلى غيرها: الخمر والسكر؛ وهما إشارة إلى حب غامر لنفس متعطشة إلى التجلي والتخلي والتحلي في ذات الوقت، وهي مواصفات المتصوف الذي طلق الحياة والتفت إلى من علمه معنى الحياة’.
أما مقدم الترجمة والمعلق عليها الأستاذ محمد شطوطي فأشار إلى أن ‘هذه النسخة فيها الكثير من الإشارات والتنبيهات، منها على سبيل المثال، بلدة تبريز التي هي بلدة شيخه شمس الدين الذي هو قبلته في العلم والمعرفة، وبخاصة في التصوف، وذكره للقهوة التي هي من الأشياء التي تجمع الأحباب على مائدة واحدة، وأيضا النخلة والحمامة والصيام والهوى، كلها في مكانها المناسب، وهي مجتمعة دلالات استعملها الشاعر الصوفي المريد لشيخه شمس الدين التبريزي’.
وكان الديوان نفسه قد قدمه الكاتب والمترجم التونسي ‘البشير قهواجي’، في سنة 2011، وصدر عن ‘المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون. ببيت الحكمة’.
وتعد هذه الترجمة إضافة جديدة للمكتبة الجزائرية ولمعاهد العلوم الإنسانية بالجامعات الجزائرية، خاصة معاهد اللغات والأدب، ومعاهد اللغة والأدب العربي، لما لهذه الشخصية الشاعرة المتصوفة من تأثير في الأدب العربي، وما للأدب والشعر الفارسي من تأثير في الأدب العربي عامة.
وعاد، في السنوات الأخيرة، الاهتمام في الجامعة الجزائرية بالأدب الفارسي، في إطار الدراسات المقارنة، وأنجزت رسائل علمية بشأنه، ففي سنة 2008 نوقشت رسالة ماجيستير بقسم اللغة العربية بمعهد الآداب واللغات بجامعة الجزائر تقدم بها الطالب ‘يوسف بوجلة’ حول ‘تأثر الفرس بالأدرب العربي… الشاعر منوجهري نموذجا’.
وفي خطوة جريئة وغير مسبوقة قام القاص الجزائري ‘بلقاسم شايب’ بترجمة ‘رباعيات الخيام’ إلى اللهجة الجزائرية، وقد لقيت الترجمة استحسانا كبيرا لدى القراء والمهتمين.
واهتمام الباحثين الجزائريين بالأدب الفارسي واللغة الفارسية ليس اهتماما جديدا، فقد كانت الفارسية تدرس بمعاهد اللغة والأدب العربي كلغة شرقية ثانية إلى جانب التركية إلى غاية سنة 1984. وكتبت آنذاك عدة رسائل علمية تطرقت من قريب أو بعيد إلى شعراء فارسيين أمثال مولانا جلال الدين الرومي، ومولانا حافظ الشيرازي، وسعدي الشيرازي.
وفي مطلع القرن الـ 20 قدم أول دكتور في العالم العربي الجزائري ‘محمد بن شنب’ قاموسا حول ‘ما تبقى من الألفاظ الفارسية والتركية في العربية الجزائرية’، أي في اللهجة العامية الجزائرية، خاصة في مدينة الجزائر.
وهناك مشروع، أعلن عنه منذ سنوات، لاستقدام أساتذة من إيران، في أعقاب مشاورات أجرتها مع السفارة الإيرانية بالجزائر، من أجل تدريس اللغة الفارسية بالجزائر كتخصص قائم بذاته، في إطار انفتاح الجامعات الجزائرية على لغات الشرق بقدر المساواة مع انفتاح الجامعات الجزائرية على اللغات الغربية.
ويعتبر هذا الإجراء خطوة نحو تدريس الأدب الفارسي كتخصص قائم بذاته عبر الجامعات الجزائرية، ومن المرتقب أن يدرس التخصص في كلية العلوم الإسلامية التابعة لجامعة الجزائر. وهناك مشروع تقدمت به جامعة الجزائر 2 إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من أجل اعتماد تخصص للأدب الفارسي.