بقلم شـعبـان يـاسـيـن – كاتب من الجزائر |
بتاريخ 02 أكتوبر- خلال سنة 1957- مرت علينا بالجزائر ذكرى تاريخية عن الثورة التحريرية مرور الكرام وفي صمت ، وهي ذكرى انطلاق نشاط مهم قدم دعما لوجستيا سريا للثورة الجزائرية من أبناء جلدة الفرنسيين أنفسهم ، وهي شبكة “فرنسيس جونسون” أو ما تعرف بحاملي الحقائب والتي تعتبر في حد ذاتها انتصارا معنويا للثورة الجزائرية قبل المادي ،وعليه وتقديرا لأهميتها لأعضائها الذين تعرضوا خلالها للتعذيب والسجن لقضية لا تخص وطنهم ، وضد سلطات بلادهم ولكن خدمة لقضية عادلة وإنسانية ،فارتأيت أن أسلط عليها الضوء بمقالي هذا .
عندما دقت طبول حرب التحريرالجزائرية سنة 1954، أميط اللثام الذي كان يحجب الوجه البشع للاستعمار،حينها تعالت الأصوات، فقد أثار اندلاع الثورة ردود أفعال متباينة في أوساط المثقفين الفرنسيين، فكان البعض منهم يعمل على تجسيد فكرة “الجزائر فرنسية ” وتدعيم المشروع الاستعماري، حيث بذلوا كل ما في وسعهم من أجل تضليل الرأي العام في الداخل والخارج، بفضل نشر العديد من المقالات والكتب و الوثائق لتغطية الحقائق قصد الحفاظ على هاته الفكرة، و تحفظ البعض الآخر على إصدار أي موقف إزاء القضية الجزائرية،بينما كان البعض منهم مدفوعين بمشاعر العدل والسلم ونظرة أفضل للعلاقات المستقبلية بين الجزائر وفرنسا، غير أنهم كانوا متفهمين لمطلب الجزائريين ويشعرون إزاءه ببعض التعاطف، لذا تجندوا لمساندة ودعم الثورة الجزائرية وذلك إيمانا بعدالة قضيتها وحق الشعوب في التحرر والاستقلال،من أمثال: هنري علاق ، جون بول سارتر وفرانسيس جونسون ،فانون، وسيمون دي بوفوار .
هؤلاء الفلاسفة والكتاب والمثقفين الذين وقفوا إلى جانب الثورة وقدموا ما يملكونه من قوة رمزية وسياسية كانت تسكن أقلامهم، حيث أدانوا همجية الاستعمار، وذكروا العالم بكوارث التعذيب وممارسات التعسف والقمع ضد حرية الشعوب فحاولوا أن يشعروا الشعب الفرنسي بعدم جدوى هذه الحرب، وأن هاته الكارثة السياسية والأخلاقية ورطت فرنسا وجعلت مستقبلها غير مضمون وغير مريح، مما دفعت بمئات آلاف من الشبان الفرنسيين أقحموا في مغامرة لا فائدة منها، دعوا باسم الحرية، إلى قتل رجال يكافحون من أجل الحرية ،هاهو سارتر يندد بطرق التعذيب التي تمارس في الجزائر.
ومن هنا يمكننا القول أن اندلاع الثورة الجزائرية كسب تأييدا قويا، خاصة من أبناء جلدة المستعمر ذاته الذين عبروا على مواقفهم إزاء القضية الجزائرية وعلى رأسهم فرانسيس جونسون الذي كرس حياته خدمة للجزائر و شعبها في أحلك الأيام وهذا ما نستعرضه في مقالنا، لقد وجدت القضية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، نصرا ودعما قويان من قبل أبناء فرنسا نفسها ، فلم يقتصر على الأفراد وحسب ، بل تعداه إلى ذلك، بفعل تكوين شبكات داعمة للثورة الجزائرية ولعل أبرز تلك الشبكات وأشهرها على الإطلاق شبكة جونسون .
وهي شبكة دعم سرية أسسها “فرانسيس جونسـون”، لـدعم كفـاح الشـعب الجزائري في فرنسا ذاتها ، يتسم عملها بالسرية، دون علم السلطات الفرنسية التي كان لا بد أن لا تعلم، وإلا فإنها توقف هذا العمل، لأنه غير مشروع ولا قانوني ،إنه من الصعب تحديد تاريخ تشكل هذه الشبكة، حيـث تعـود إرهاصـاتها الأولى إلى سنة 1955 ،عندما كان يلتقي بالمناضلين الجزائريين، ذلك أن نشاطها بدأ بشكل عفوي وكنتيجة حتمية لما سبقه من أحداث وإثر عودته إلى باريس جويلية 1956 ،اتصل جونسـون بفدراليـة جبهـة التحرير الوطني، التي كان يرأسها ” صالح الوانشـي “فاسـتدرج هـذا الأخيـر جونسون لسياقة سيارة نقل رجال الجبهة، وأثناء أدائه المهمة تقـرب أكثـر مـن الجزائريين ولما توسعت الخدمات المقدمة لهم أصبح بحاجة ماسة لمن يتقاسم معه العمل ويساعده في ذلك فإلى جانب زوجته “كوليت ” جند بعض زملائه أمثـال: “مونيـك كـوهين” و”إتيان بولو”أستاذ فلسفة في الثانوية وزوجته “بولا ” إضافة إلى شـابة شـيوعية تدعى”هلين كويتا”، لكن نشاطهم لم يكن مهيكلا و منظما، بل يتم بشكل عفوي ،ولما تولى “عمر بوداود” رئاسة الفدرالية، استنكر تصرفات جونسون لأنها بدت لـه مجازفـة خطيرة، كونه يمارس نشاطه بصورة مكشوفة، إذ يعتبر2أكتوبر 1957 التاريخ الفعلي لتأسيس شبكة جونسون، التي أصبحت مهيكلة فعليا بعـد اجتمـاع أعضـاء الجمعيـة التائسيسية وتحديدا في بيت جونسون بقرية “بوتي كلامار “Clamart petit.
بحضور الأعضاء الأوائل المؤسسون إضافة إلى صـحفية ” مونيـك ” وزوجهـا “ديزاكوار” وثلاثة قساوسة سبق من قبل مساندة جبهـة التحريـر الـوطني وهـم “أورفاس “، “دافيزي” “ماييت” ولاحقا توسعت هذه الفئة لتصبح شبكة بالفعل، وهي ما أصطلح عليها بحملة الحقائب ” Les porteurs valises de ، وتمثل دورهـا في توسيع نشاط الفدرالية داخل التراب الفرنسي وخارجه ، أما بخصوص أعضائها فكانوا ينتمون إلى كل اتجاهات اليسار من بينهم : · جاك بارتيولاي “berthelet jack: “عضو نشط في مجموعة التعاون الخاصة بالشبكة كان يقيم في سويسرا من مهامه استقبال الفارين من الجيش الفرنسي، طرد من سويسرا في جانفي1960 ، داني برجي”berger Denis :”ينتمي إلى حركة المنشقين اليسارية، أنشأ سنة 1956م مجلة تدعى”débat de tribune ،”ساهم في تأسيس” النهج الشيوعي” ألقي عليه القبض من طرف مصالح حماية الإقليم الفرنسية DST ،”أطلق سراحه بعد 10أيام ، كان مختص في مجال ما بعد التكوين ومهام الاختراق ،إتيان بولو”bolo Etienne : “كان أستاذ فلسفة ، وهو من أوائل الأعضاء الناشطين في شبكة جونسون سنة 1956 ،ألقي عليه القبض في 1960 ،
· جون ماري بوغلان “boeglin mari jean :”صحفي، كان يقوم بتأمين الحماية والتموين للجنود الفرنسيين المعارضين لحرب الجزائر، كون شبكة مدينـة ليـون 1959،حكم عليه 10سنوات سجنا بعد الاستقلال أقام بالجزائر ، هنري كوريال “curiel Henri :”ولد بالقاهرة من أسرة يهودية، درس بمصـر وحاز على إيجازة في الحقوق، مناضل في الحزب الشيوعي المصري، بدأ العمل في شبكة جونسون عام 1957م، بعدها قاد مجموعة خاصة به، اغتيل في مـاي م1978 .
لجأ المشرفون على الشبكة إلى تجنيد عناصر فاعلة ضمن صفوفها، من الرجال والنساء على أساس السرية والكتمان والالتزام بذلك خلال أداء العمل، حيث بلغ عددهم مابين 2000 و3000 عنصرا انظموا إلى الشبكة عن قناعة ، أما من حيث التركيبة العمرية فهي تتكون من كل فئات الأعمار، فتتراوح أعمارهم ما بين 50 سنة و20 سنة ، تمثلت المهام التي قامت بها الشبكة، في نقل الأموال ، نقل الأسلحة و نقل الأشخاص ، ومن بين الأعمال الأساسية التي تقوم بها الشبكة هي جمع الاشتراكات والأموال والألبسة والأغطية والأدوية من طرف العمال المهاجرين الجزائريين والفرنسيين المؤيدين والمتعاطفين مع الثورة الجزائرية ، وضمان خروج تلك الاشتراكات من فرنسا، بعد حسابها ومراقبتها وكذا تنظيم عملية تنقل مسؤولي جبهة التحرير في فرنسا ،حيث بلغ حجم المبالغ المحصل عليها ما يملأ ستة أو ثمانية حقائب سنة 1958 أي ما قيمته 500 مليون فرنك فرنسي شهريا ، إلى جانب هذه المهمة الصعبة والمحفوفة بالمخاطر استطاع عناصر هذه الشبكة تزوير المئات من جوازات السفر وبطاقات الهوية،
كما عمدت على ربط علاقات وطيدة مع تجار الأسلحة في فرنسا وأوربا، وعملت على نقلها لصالح جبهة.ت.و. بفرنسا، وكذا تقديم يد العون لتهريب الفدائيين من فرنسا و تسليحهم وهذا ما أكده جونسون ” نعم فالأسلحة لممولة قد تكون مصوبة لطعن الجيش الفرنسي من الخلف .
إن كل عناصر شبكة جونسون ألقي عليهم القبض بين جانفي و مارس 1960،حكم على أعضائها بتهمة الخيانة أغلب عناصرها حكموا بعشرة سنوات سجن، وعن أسباب ظهور هذه المجموعة المناضلة التي ساهمت مع جبهة التحرير الوطني في تحرير الجزائر من قبضة الاستعمار الفرنسي صرح مؤسس حاملي الحقائب فرنسيس جونسون يوم 15 أفريل 1960 في ندوة صحفية أمام الصحافة الأوربية حيث قال” لدينا وثائق تدين النظام الاستعماري الفرنسي وتفضح وسائل الابادة والتعذيب الممارسة ضذ الشعب الجزائري”، وخلاصة القول أن شبكة جونسون تعتبر انتصار للثورة الجزائرية
ان هؤلاء الأعضاء الذين ساندوا القضية الجزائرية في أحلك أيامها وعبروا بصدق على المثل العليا التي تجمع الإنسانية من حرية و عدالة وأخوة، يسـتحقون من الشعب الجزائري وسام الشكر و التقدير عرفانا لإخلاصهم ووفائهم على مـا قدموه من أعمال نبيلة وعلى رأسهم فرنسيس جونسون .
فرنسيس جونسون ..