المواجهات العسكرية على جبهة غزة ستتوقف اليوم أو بعد أيام بهدنة أو وقف لإطلاق النار، ومع افتراض التوصل لهدنة بشروط المقاومة وهي كما لخصها رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج خالد مشعل في مقابلة مع فضائية تي أر تي بالعربية و كررها أكثر من مسؤول في حماس تتمثل في: انسحاب القوات الاسرائيلية من المسجد الأقصى وحرية العبادة فيه ووقف تهجير العائلات من حي الشيخ جراح إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين خلال التصعيد الأخير، ووقف العدوان على غزة، هذه الهدنة لا تعني نهاية المقاومة ونهاية الصراع مع إسرائيل.
هذه الشروط والهدنة تخص قطاع غزة فقط وتعني العودة إلى ما قبل اندلاع الصدامات في القدس، والوضع الذي كان، أن القدس وكل فلسطين خاضعة للاحتلال، وإسرائيل تمارس العنصرية في مواجهة فلسطينيي الداخل، وانقسام فلسطيني محتدم .
حتى مع افتراض قبول هذه الشروط، ولا نعتقد أن إسرائيل ستقبل بها كاملة، فإن الأوضاع لن تعود إلى ما كانت عليه ويجب ألا تعود، فما جرى من تداعيات لأحداث القدس كان بمثابة ثورة أو انتفاضة تتجاوز بكثير المواجهات المسلحة على حدود قطاع غزة بل أكثر أهمية منها، ولا يمكن القفز أو تجاهل ما حدث لمجرد انعقاد هدنة على جبهة قطاع غزة.
الأمور بعد وقف إطلاق النار على جبهة غزة لن تعود إلى ما كانت عليه ويجب عدم السماح بعودتها احتراماً لإرادة الشعب ومعاناته وآماله التي علقها على انتفاضته الراهنة وعلى مقدرات وبطولات فصائل المقاومة في غزة.
بعد أن تصمت المدافع وتهدأ العواطف والانفعالات يأتي دور العقل والحسابات الاستراتيجية. من حيث المبدأ لا حرب تستمر إلى ما لا نهاية كما أن الحرب كر وفر وحركات التحرر الوطني تنتصر على عدوها بمراكمة انجازات عسكرية وسياسية ودعم دولي وليس بالضربة القاضية، وخصوصاً في حالة صراع مع كيان مثل الكيان الصهيوني، وهدنة في غزة وإن كانت تنهي حالة الصدام المسلح على حدود القطاع فإنها لا تنهي الصراع الممتد منذ 1948 وهو صراع يتجاوز حدود غزة بكثير وسابق على مشكلة غزة.
بعد أن تصمت المدافع وتهدأ العواطف والانفعالات يجب أن لا تعود الأمور إلى ما كانت عليه، ويجب على السياسيين حصاد ما زرعته المقاومة بكل أشكالها ومناطق تواجدها وليس فقط حصاد مواجهات غزة وهو حصاد دموي ومؤلم لأهالي القطاع بالرغم مما ألحقته المقاومة من أضرار مادية ونفسية بكيان العدو، وهنا يكمن التحدي.
على السياسيين استثمار هذه الثورة أو الانتفاضة من أجل المصلحة الوطنية العليا وأن يفرضوا على إسرائيل والعالم معادلة جديدة وأسس جديدة لتسوية عادلة يرضى عنها كل الشعب وتكون في مستوى صمود وبطولة الشعب في كل أماكن تواجده وبكل فصائله التي شاركت في الانتفاضة والثورة، على السياسيين تجنب متاهة المفاوضات والمناورات وحساب المصالح والتوازنات الإقليمية والدولية وعدم العودة لنهج المفاوضات العبثية ومرجعية اتفاق أوسلو أو العودة لمربع الانقسام.
الاستثمار والتوظيف السياسي للتحولات التي تجري يحتاج لمستوى سياسي وقيادة وطنية موسعة تضم ممثلين عن كل القوى التي شاركت في إحداث هذا التحول الاستراتيجي، والقيادة الوطنية الموحدة لا تعني إحلال قيادة محل أخرى أخرى فهذا سيثير فتنة وستخسر القضية إنجازات تراكمت عبر السنين بالإضافة إلى خسارة الحضور الدبلوماسي في كل المحافل الدولية، المطلوب توسيع مؤسسة القيادة لتصبح حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرها مكوناً أساسياً فيها، كما كان الاتفاق على ذلك في اتفاقات المصالحة التي لم تُنفذ.
أهمية هذه القيادة وسرعة تواجدها ضرورة حتى يتم قطع الطريق على مخططات لفصل ما يجري في الضفة والقدس عما يجري في غزة وجر غزة وفصائلها المسلحة لهدنة ووقف دائم لإطلاق النار يكرس الوضع القائم في قطاع غزة وهذا ما نستشفه من حديث بايدن والإسرائيليين عن هدنة ووقف دائم لإطلاق النار، والخشية في هذا السياق استنساخ تجربة حزب الله في لبنان وحرب يوليو 2006 التي استمرت 34 يوماً حيث أبدى حزب الله بطولات وأذل إسرائيل، ولكن كانت النتيجة دمار كبير للبنان وخصوصاً جنوب العاصمة مما دفع لبنان وحزب الله لقبول القرار الأممي 1701 ومرابطة قوات دولية على الحدود مع لبنان، وأصبح حزب الله الرقم الصعب في المعادلة السياسية اللبنانية الداخلية ولكن تم تحييده عن ساحة الصدام المباشر مع إسرائيل.