بقلم د. أنور العقرباوي: فلسطيني-واشنطن |
بالأمس القريب أعلن رئيس الولايات المتحدة، ترامب عزمه على “سحب” جنوده ودبلوماسيه من سورية، بعد أن أنهوا مهمتهم في هزيمة “داعش” على حد زعمه، اللذي لم يلاقي إستحسانا حتى من معظم المقربين له في دائرته ومن داخل حزبه، اللذي ما لبث وزير دفاعه على تقديم إستقالته، إحتجاجا على ما وصفه بخذلان حلفائه وما ينطوي عليه قراره، من رسالة غير مشجعة إلى الدول المنضوية تحت عباءته.
الإحتجاج على القرار لم يتوقف عند الكثيرين من الجمهوريين لوحدهم، بل تعداه حتى يشمل الديمقراطيين كما هو من البديهي، اللذين استغلوا الأمر بتوجيه الإتهام إلى الرئيس الأمريكي، في عدم المسؤولية عند إتخاذ القرارات الإستراتيجية الأمنية، إضافة إلى تذكيره في العديد من الإخفاقات الداخلية، سواء على الصعيد الإقتصادي مع تراجع سوق الأوراق المالية، أو تحقيقات المدعي العام “مولر”، التي قد تنتهي في حال أتبتت التحقيقات كذب “ترامب” في إنكار إستغلاله أموال الإنتخابات من أجل شراء صمت خليلاته، في إحتمال توجيه التهمة إليه لاحقا، عندما سيتربع على منصة رئاسة مجلس النواب الديمقراطيون، في كانون الثاني القادم!
أما من ناحيتنا نحن فإن “الإنسحاب”، إنما جاء كي يشكل الدليل على هزيمة المشاريع الأمريكية الشرق أوسطية، ونحن نستشهد على ذلك بتصريحات عميد الإرهاب الدولي، النتن ياهو وهو يزعم عن تخوفه من النتائج المترتبة على قرار “الإنسحاب” هذا، إلا دوننا من الروية في الإحتكام إلى نتائج تجاربنا التاريخية وغيرنا مع الأمريكان، عندما لا يتنازلوا عن شيء أو يعطوه لغيرهم، مالم يعرفوا مقدما عن الثمن اللذي سوف يقابله، فكيف يكون الحال عليه عندما يتعلق الأمر في “الإنسحاب” من “المثلث”، اللذي طالما حلمت أركان الدولة الأمريكية العميقة التواجد فيه، مالم يكن هنالك ما هو أغلى من الثمن التقليدي، سواء لناحية التمهيد للحاكم العثماني بتحقيق أطماعه، سواء لناحية بسط نفوذه والسيطرة على الشمال السوري، وما سوف يترتب عليه إزاءه من نزاعات عرقية وما قد يتفرع عنها، تنهي التنسيق الإيراني التركي الصوري في سورية، وتشغل محور المقاومة والممانعة بما هو في غنى عنه، حتى تتهيأ الظروف بعد ذلك لتمرير الصفقات المشبوهة، التي طالما وقف المحور ندا لها طيلة أوقات المواجهة!
صحيح أنه من حق أنفسنا علينا أن نفرح ونفاخر، عندما يغادر كل محتل أرضنا المقدسة، سواء على الرغم منه مدحورا، أو حتى عندما يزعم أنما كان بحكم إرادته، ولكن الأصح أن لا تشغلنا اختلافاتنا الفكرية واجتهاداتنا المشروعة، ونحن نستذكر العشرات من الآلاف من أنبل جيوش الأمة، اللذين قضوا شهداء من أجل أن يحيا الوطن، عندما سيمارس السوريون سواسية حقهم السيادي غدا في تقرير دستورهم، دون أي تدخل خارجي، حتى يدرك كل من تآمر عليها، “أنهم لن يحصلوا بالسياسة ما عجزوا عنه بالإرهاب” كما أكد عليه عميد السياسة الدولية، الدكتور بشار الجعفري في آخر إجتماع لمجلس الأمن.