فيما كانت حكومات العرب تتهيّب من الغرب وزعيمته الكبرى، كانت شعوبنا تنظر الى تصرفها بريبة، وترى أن من استهان ببلداننا مثلما أملى عليه استكباره، يجب أن يعامل بمثل ما عاملنا به، وزمن امتهان الشعوب قد ولّى، منذ انصرام القرن الماضي، ونحن في قرن قد بدت عليه علامات يقظة الشعوب المستضعفة، في استعادة حقوقها المهدورة، وفيما تصارع شعوب أمريكا اللاتينية هيمنة الامبريالية الامريكية – وقد اثبتت بتقاليدها الثورية أنها تمثل سدّا منيعا في وجه عودة عملاء الولايات المتحدة الى سدة الحكم – أبدت الجمهورية الاسلامية الإيرانية منذ انتصار ثورتها المباركة، أنها أكثر ثباتا وإيمانا بعدالة حقوق شعبها وحقّانية دينها، الذي رفعت رايته عالية في جميع المجالات والمحافل الدولية، ظاهرة لم يخف منها شيء.
ايران الاسلامية التي لم تقدر عليها أمريكا ولقيطها الكيان الصهيوني الغاصب في بداية قيام نظامها وهي لا تمتلك غير قدرة الله القادر وايمان شعبها بصحّة خياره الاسلامي، كيف يمكن أن تقدر عليها اليوم وهي تمتلك القوة والتكنولوجيا المتطورة، واسرار لا يعلمها سوى الله سبحانه، قد يئس الجواسيس والعملاء من الحصول على فك لغز بسيط في معادلتها، رغم الامكانات التجسسية الكبيرة المتوفرة لدى اعداء ايران؟
التقدّم الذي حققته ايران الاسلامية في مختلف المجالات، الاقتصادية والتقنية العلمية العسكرية والمدنية، ليس متاحا لأي دولة أن تحققه، خصوصا تلك الدول التي تخلّت عن دينها الاسلامي، ودخلت فيما دخل فيه بقية العالم، من مدنية كاذبة وديمقراطية زائفة، أملا في كسب رضا الغرب بدوله المعادية للإسلام المحمدي الاصيل.
ويخطئ من يعتقد أنه ليس هناك صراع وجودي بين إيران الاسلام واعداؤها فما خفي عنا اعلاميا أكثر بكثير مما أظهرته السياسة، وفي هذا الصدد أعلن قراصنة إيرانيون اختراق صناعة الطيران الصهيونية يوم الاحد الماضي 20/12/ 2020 بعد هجوم الكتروني شنوه على شركة صناعات الطائرات الاسرائيلية، وكتبوا على الموقع بعد ان نقلوا ما ارادوه من معلومات وبيانات: ( اصدقائي الأعزاء، يجب ان تكون صناعة الطيران هي أكثر الشبكات أمانا على الاطلاق، لذلك اتخذناها كهدف ودليل على قدرتنا)(1) .
ولو عدنا بالذاكرة الى الوراء قليلا، بإمكاننا أن نتعرّف على شيء من القدرة الايرانية في مجال التكنولوجيا المتطورة ففي 4 ديسمبر 2011، أعلن الجيش الإيراني إنزال طائرة طائرة آر كيو-170 الأمريكية، التي تجاوزت الحدود الإيرانية. وتقول طهران بانها اُنزلت باستخدام وسائل الحرب الالكترونية فيما أعلن البنتاغون بأنّ الطائرة تعطلت ثم تحطمت بعد إسقاطها. ولكن بعد عدة أيام ظهرت طائرة آر كيو-170 أمام وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، وهي كانت شبه سالمة.(2)
وفيما أعلنت إيران عن سيطرتها على طائرة أمريكية بدون طيار، نفت واشنطن ذلك، وحاولت التكتم على الخبر بنفي وقوع العملية، إلى ذلك أعلن الحرس الثوري الإيراني، أنه تمت السيطرة على طائرة بدون طيار أمريكية، كانت تحلق فوق مياه الخليج بهدف الرصد والمعلومات، ولم يوضح بيان الحرس الثوري أين تمت السيطرة على الطائرة، ولا الظروف التي أحاطت بالعملية، في حين أكد متحدث باسم البحرية الأمريكية، إن البحرية الأمريكية لم تفقد أيا من طائراتها بلا طيار فوق الخليج في الآونة الأخيرة.(3)
ولما نشرت ايران من جهتها فيديو يظهر الطائرة سليمة بين يدي الخبراء الايرانيين، ويفضح كذب الامريكان، سارعت أمريكا بمطالبة السلطات الايرانية بتسليمها الطائرة، لكن هيهات أن تستجيب إيران لمطلب صادر من عدوّ تعتبره شيطانا، فكان الرفض وفوقه بدأت دراسة الطائرة وتنفيذ مشروع صناعتها على ايدي الخبراء الايرانيين، وتحقق كل ذلك سريعا، وتمتلك ايران منها اعدادا، ومن الطائرة الثانية التي انزلت ايضا بنفس الطريقة.
مخطئ من يعتقد أن الحرب بين أمريكا والكيان الصهيوني من جهة، وايران الاسلامية من جهة اخرى، فمنذ ان ايقن الامريكيون والصهاينة، أن النظام الاسلامي الفتي، يستهدف وجودهم الفكري والعنصري، ويريد قطع دابر استقوائهم على العالم، وهما يسعيان بكل طريق لإسقاطه، واستبداله بنظام يعيد العلاقات الدبلوماسية الحميمية المنقطعة، التي كانت على عهد الشاه العميل، قبل الثورة الاسلامية في خدمة اهداف اعداء الشعب الايراني والامة الاسلامية، حرب سياسية واعلامية، وعقوبات اقتصادية بلغت حدا لو سلطت على دولة اخرى، لما صمدت كل هذا الوقت، وحرب اخرى الكترونية سيبرانية تزداد حدة بين الفينة والاخرى
هذا وقد أعلنت شركة الأمن السيبراني التي استطاعت تحديد الاختراق الواسع لوكالات حكومية أمريكية، عن تضرّر خمسين مؤسسة “بشكل بالغ”.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “فاير آي” للأمن السيبراني، إنه في حين ظهرت علامات ضارة، في شبكات 1800 منظمة، عانت 50 منها من أضرار جسيمة.(4)
وعُلم أنّ وزارة الخزانة الأمريكية ووزارتي الأمن الداخلي والدفاع استهدفت خلال الهجوم.
وفيما تتخبط امريكا حول من قام بالجهوم السيبراني الأخير، الذي استهدف مؤخرا شبكات الكترونية تابعة لمؤسسات حكومية، أهي روسيا ام الصين الشعبية، الى حدّ تناقض وزير الخارجية الامريكي مايك بامبيو مع رئيسه ترامب(5)، فالأول يهاجم روسيا بحدة، ويعتبرها سببا في الهجوم، والثاني يبرئها ويتّهم الصين، يتواصل الغموض في هذه الحرب، التي ما ان تهدأ فترة حتى تشتعل أخرى، وما هي سوى مقدّمة لحرب شاملة مدمرة، لتدفع الشعوب ثمن تقاعسها، واخلالها بحقوقها وواجباتها السياسية، في اختيار الأصلح من بين مواطنيها، في عالم طغت فيه كظاهر الاستكبار والعمالة، حتى لا تكاد تميّز الطيّب من الخبيث.
المراجع
1 – Israël: des hackers iraniens affirment avoir piraté l’industrie aérospatiale (IAI) i24news.tv/fr/actu/israel/1608488224-israel-des-hackers-iraniens-affirment-avoir-pirate-l-industrie-aerospatiale-iai
2 – إنزال طائرة RQ-170 الأمريكية في إيران
طائرة أمريكية تم إنزالها باستخدام وسائل الحرب الإليكترونية ar.m.wikipedia.org/wiki
bbc.com/arabic/worldnews/2012/12/121204_iran_usa_drone_captured
3 – إيران تعلن عن سيطرتها على طائرة أمريكية بدون طيار وواشنطن تنفي
amp.france24.com/ar/20121204
4- الهجوم الإلكتروني على الولايات المتحدة: تضرر 50 شركة “بشكل بالغ” جراء الاختراق
bbc.com/arabic/science-and-tech-55383496
5 – ترامب يناقض وزير خارجيته بشأن اتهام روسيا بشن هجمات إلكترونية على بلاده .
bbc.com/arabic/world-55382157