توقفت طويلاً أمام تصريحات خالد مشعل الرئيس السابق – وربما اللاحق مع انه عملياً ليس بحاجة لهذا المسمى حيث انه غادر هذا المنصب شكلياً و ليس فعلياً – للمكتب السياسي لحركة حماس (الشهر الماضي تشرين ثاني 2020 ) حول موقف ومبررات و دوافع حركة حماس للخروج من سوريا .
لن أخوض في طبيعة و ظروف ودوافع العلاقة ما بين حركة حماس وسوريا منذ بدايتها مع مطلع تسعينيات القرن الماضي و صولاً لأحداث عام 2011 , حيث ان لكل طرف من طرفي العلاقة مصالحه و دوافعه في التحالف مع الآخر . و النتيجة ان سوريا تمكنت أو على أقل تقدير حاولت أن تمسك بمفاتيح الساحة الفلسطينية والقضية الفلسطينية – بعد مؤتمر مدريد و اتفاقية أوسلو و العلاقة المتوترة تاريخياً مع ياسر عرفات – لاسيما من أجل تحسين موقعها و موقفها في الصراع العربي الإسرائيلي , و في نفس الوقت اكتساب “الشرعية الشعبية” في الشارع العربي , من خلال دعم و تبني المقاومة ضد إسرائيل سواء في لبنان أو فلسطين . وعلى الجانب الآخر فان حركة حماس وجدت في سوريا الفرصة المواتية من حيث موقعها ووجود مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها , وخاصة بعد فقدانها القاعدة السياسية و الإعلامية و ربما العسكرية بخروج قياداتها من الأردن عام 1999.
لقد شهد العام الأول للأزمة السورية صمتاً حمساوياً ربما مبرراً بحجة ان ما يجري في سوريا هو شأن داخلي سوري , لكن ومع مطلع عام 2012 تحول هذا الصمت المؤقت و “الحياد الغامض” الى انقلاب كامل في المواقف و السياسات , فقد حان موعد خروج خالد مشعل و حركة حماس من سوريا , أليس الخروج تدخلاً بالشأن السوري وانحيازاً لطرف على حساب الطرف الآخر , و تخلياً عن نظام احتضنكم و قدم لكم كل أشكال الدعم المادي و المعنوي: السياسي و الإعلامي و العسكري , بل و رفض جميع المطالب و الشروط و التهديدات الأمريكية للتخلي عنكم و عن حزب الله , وهذا باعتراف قيادات حماس السياسية و العسكرية و على رأسها خالد مشعل و اسماعيل هنية و محمود الزهار وقادة كتائب القسام . أين الوفاء لهذا النظام فإذا كان حليفاً وصديقاً وفياً لكم في أزماتكم لماذا تخليتم عنه في أزماته ؟ وإذا لم يكن كذلك كيف صمتم عنه كل هذه السنين الطويلة .
هل خروجكم من سوريا هو نأي بالنفس عن التدخل بين أطراف الأزمة , أم انحياز لجزء من الشعب على حساب الجزء الآخر, ولماذا اعتبرتم الجزء “المنتفض “هو الذي يمثل الشعب السوري , و ماذا تسمون اذن الجزء الباقي , أم أنكم أسقطتم عنه صفة الشعب بسبب موالاته للدولة و للنظام ؟
أين كنتم من الشعب و مطالبه و مظالمه مع نفس “النظام “؟ لم ارتضيتم الصمت , بل و كلتم المديح للأسد (الأب و الابن) الذي لم يبخل على حركة حماس – بحسب تصريحات قيادة
حركة حماس – تحديداً منذ إبعاد مرج الزهور , مروراً بخروج بقياداتها من الأردن , و ليس انتهاء بأكثر من عدوان إسرائيلي عل قطاع غزة .
من ضمن المبررات التي ساقها خالد مشعل لتبرير الخروج , أن “النظام السوري” طلب الدعم العلني لسياساته , ففضلت حركة حماس الخروج , لماذا لم تقم باقي الفصائل الفلسطينية -والتي مازالت موجودة لحد الآن في دمشق – بالخروج تحت نفس الذرائع و المبررات و الضغوطات , بل لماذا لم تقم حركة الجهاد الإسلامي و حزب الله بذلك , على الرغم من أنهما حزبان ينطلقان من أيدلوجية إسلامية , ويرفعان بل و يمارسان المقاومة تجاه إسرائيل . أليس من حقنا أن نتساءل دينياً و سياسياً و أخلاقياً أي الموقفين هو الأكثر التزاماً و صواباً .
لم يمتلك مشعل الشجاعة و الجرأة الكافية ليخبرنا لماذا كان الخروج باتجاه قطر تحديداً راعية “الربيع السوري ” و “الربيع العربي ” ألا يعتبر ذلك تناقضاً مع شعاراته و تصريحاته ” ان حماس لن تكون مع النظام ضد الشعب ولا مع الشعب ضد النظام ” هل وجودك في قطر و تركيا حياداً , وكلاهما لم يخف دعوته و رغبته وسياسته بإسقاط النظام .
إذا كان ما قمتم به عام 2012 صواباً لماذا تحاولون الآن و بشتى الوسائل و السبل إعادة العلاقة مع “النظام ” بأي شكل من أشكال , لاسيما ان النظام هو نفسه و سياساته هي نفسها , إذن ما الذي تغير؟ الذي تغير سقوط أنظمة الإسلام السياسي , و تراجع شعبيتها و بقاء الأسد في الحكم مع ان كل المؤشرات التي كانت لديكم , أو التي تم إيصالها لكم من” الدول الراعية” ان الأسد في طريقه للرحيل فبادرتم للخروج استباقاً للأحداث , و زاد من نشوتكم وصول محمد مرسي للحكم , وخطب و خطابات إسماعيل هنية في مساجد مصر بدعم الثورة و الشعب السوري , و هو نفسه الذي يقوم الآن بالطلب من أطراف داخلية و إقليمية التوسط لعودة و إعادة العلاقة مع “النظام “. أين الشعب السوري و كيف أسقطتموه من معادلتكم الآن , بل أين معادلتكم نفسها بان لا تكونوا مع طرف على حساب آخر . هل هي انقلاب السياسة أم سياسة الانقلاب.