عندما تصل دولة كبرى بسياساتها الخارجية، الى حد الغطرسة والاستعلاء، على غيرها من الدول، خصوصا تلك التي كانت تحت نفوذها وهيمنتها، ثم خرجت عليها بثورة شعبية، غيرت مجرى تبعيتها، الى حالة فريدة من الوقوف في وجهها بندية، فإنّ ما تتصرف به حيالها الآن من إجراءات، شكّل تهديدا للسلم العالمي، ويدفع بشدة نحو سيناريو حرب قد تشتعل، ستكون آثارها كارثية ليس على المنطقة فقط، بل على العالم بأسره. خطر شكله شخص بمفرده، جاء به اللوبي الصهيوني الأمريكي، لينفذ بواسطته مشروعه الشرق أوسطي الجديد، المعنون بصفقة القرن، الذي كان يأمل اصحابه بسرعة تنفيذه، بعدما وجدوا أعوانا لهم، من بين دولنا الاسلامية، لكنهم وجدوا أمامهم عائقا جدّيا، يحول بينهم وبين ما كانوا يأملون، تمثل في إيران الإسلامية، التي أخذت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن ارض فلسطين، وحقوق شعبها المسلوبة، في ظل صمت عالمي، وغض طرف دوله، على كل ما جرى من انتهاكات فظيعة، بحق سكانها الشرعيين، وتاريخها الأليم منذ قيام هذا الكيان الغاصب الى اليوم ولا حياة لمن تنادي.
مواجهة إيران الإسلامية، لإفشال مساعيها الإصلاحية في عالمها بدأت باكرا، وهي مستمرة بمختلف الأشكال والأساليب، وأمل أمريكا والغرب معقود على تكريس عامل الفرقة، الذي زرعوه اعلاميّا بين إيران ودول العالم الاسلامي، حتى لا تلتقي على شيء ينفع الأمة ويصلح من شأنها. إيران التي لم تترك فرصة تمر ولا مناسبة تنقضي، دون أن تكرر دعواتها الى بقية الدول الاسلامية من أجل وحدة الكلمة والموقف والصّف، والعمل الاسلامي المشترك من أجل استعادة ما سلب من حقوقها، وما أسسه الإمام الخميني في هذا الاتجاه، أخذه على عاتقه خلفه الإمام الخامنئي، إيمانا منهما، بأنه لا سبيل لنيل استحقاقات الشعوب الإسلامية دون وحدة، ولا مجال لخلاصها من غاصبي حقوقها وناهبي ثرواتها، دون عمل جماعي حقيقي مشترك، وهذا الهدف الذي سعت إليه إيران، بواسطة نداءات قادتها، ومشاركات حجيجها، وشعاراتهم المرفوعة منادية في مكة بالبراءة من اعداء الله، وفي المدينة بالوحدة الاسلامية، على أساس الأخوة التي نادى بها القرآن الكريم، وأمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أفزع أمريكا والغرب، واعتبروه عاملا خطيرا يهدد مصالحهم، ومن شأنه أن ينهي مرحلة استكبارهم واستغلالهم لدول عالمنا الاسلامي. هذا هو السبب الحقيق والاساسي الذي دفع بأمريكا زعيمة الاستكبار العالمي لمعاداة ايران والعمل على اسقاط نظامها وليس برنامجها النووي نعم لقد التفتت الى قدرات ايران الصاروخية فوجدتها ماضية نحو القوة والقدرة على محق الاعداء وانهاء خطرهم، وباعتبار أنها وكيانها الصهيوني في سلة عداء واحدة، فقد رأت أن السكوت على استمرار تقدم تطوير برنامجها الصاروخي، سيلحق بها ضررا فادحا، على الأقل بالنسبة للكيان الصهيوني، الذي أصبح في متناول كل تلك الصواريخ، فبادر ترامب الى الرفع من سقف العقوبات، من أجل اخضاع ايران للنزول عند رغبة المطلب الصهيوني، وتحديد قدرات ومدى تلك صواريخها، ووضع اليد على ما زاد على ذلك، وبمعنى أوضح تقليم اظافر إيران العسكرية، حتى لا تكون قبضتها مؤثرة.
الرئيس الامريكي ترامب يعتقد بتصرفه الخاطئ أنه بإمكانه فرض منطقه على إيران الإسلامية بتشديد العقوبات عليها ومع تقدمه في هذا الاجراء لم يفلح لحد الان في شيء مما كان يؤمله، وبقيت وعوده التي قطعها للكيان الصهيوني وعملاءه في المنطقة مجرد كلام لم يتحقق منه شيء. لقد تصور الرئيس الأمريكي من خلال ما خطط له انه بإمكانه إخضاع إيران لمشيئته، وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، تقضي نتائجها بإبعادها عن قضية فلسطين، ونأيها بالنفس عن قضايا التحرر الإسلامية، كتحرير الجولان، وما بقي من الاراضي اللبنانية، ومكافحة الإرهاب الوهابي التكفيري، الذي كان وجوده تأسيسا وتخطيط ودعما أمريكي، اعترفت به هيلاري كلينتون، وهاجمها به الرئيس الحالي ترامب. من أجل الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط والخليج، أنشأت أمريكا عشرات القواعد العسكرية الأمريكية جنوبي الخليج الفارسي، وفي دول عربية وإسلامية أخرى، تورطت في فتح أراضيها لتلك القوات، والسماح لها بإنشاء قواعد لها، أو تخصيص أجزاء من قواعد جيوشها، لفائدة القوات الأمريكية، ذات السجل التاريخي السيء، في الحروب التي خاضتها، خصوصا في كوريا وفيتنام.
إنّ ما أوهم به قادة أمريكا حكام دول الخليج، بتواجدهم جنوبي الخليج الفارسي، يندرج ضمن مخطط أمنهم، والحفاظ على انظمتهم من السقوط، خصوصا من ثورات شعوبهم، وليس من أي عدوان خارجي، لأنه غير موجود على أرض الواقع، ووضع إيران في موضع العدو المحتمل المتربص بتلك الدول شرا، هو تهويل غير مبني على واقع، بل ان العكس صحيح، حيث لم يصدر عن إيران أي رد فعل، بعد انكشاف المؤامرة الدولية التي اشتركت فيها دول الخليج جميعها، في دعمها لصدام في عدوان الثماني سنوات الغادر، الذي شنه على إيران، وهي لم تتخط بعد عامها الأول من ثورتها. شقوة ترامب أوصلته الى أن يبدأ بالتحضير لشن عدوان على إيران فأسقطت أحدث طائراته التجسسية المسيرة بمجرد دخولها الأجواء الإيرانية، وعفت عن تبيعتها الطائرة المأهولة والمراقبة التي كانت تحمل 32 خبيرا عسكريا، فكانت الصدمة التي قلبت الطاولة على مخططه، وبدأ في التحضير لطريقة أخرى، بمحاولة تأسيس تحالف عسكري أمريكي أوروبي، تلقى على عاتقه مسؤولية حماية ناقلات النفط، من مياه الخليج الى دول العالم، بعدما قامت القوات الإيرانية بحجز ناقلة نفط بريطانية، كردّ فعل على حجز ناقلتها المتوجّهة الى سوريا، في مضيق جبل طارق من طرف القوات البريطانية . ما خطط له ترامب سقط في الماء مجددا، فلم يجد تحالفا يمكنه من اطلاق اليد عسكريا على ايران، وهنا بدأت دول جنوب الخليج تستشعر بالخطر، يتفاجأ العالم بإرسال الامارات العربية وفدا الى ايران، وكأني بصانعي الفوضى والمعربدين في المنطقة، والعابثين بشعوبها ومقدّراتها، قد بدأوا بالعودة على اعقابهم قد استشرفوا مصيرا سيئا. وبالمحصّل فإن كل ما قامت به امريكا منفردة لم يلحقها اليه أحد غيرها، حتى بريطانيا يبدو انها استوعبت دّرس الناقلات، وعليه فأي حسابات جديدة سيخرج بها ترامب، وقد ظهر حمقه في التعامل مع ايران، بما يزيد من عزلته حيالها، بعدما ربط مصير بلاده بمصير الكيان الصهيوني؟