بين حقيقة إيران وواقعها المعاش، وبين ما قيل فيها ونُشر من دعايات عنها، يقف المرء مشدوها أمام ضخامة حملاتها وتنوع مصادرها وتعدد أحلافها، وإن اختلفت توجهاتهم الفكرية، وتنافرت معتقداتهم الدينية، فذلك كله لم يشكّل عائقا يمنع اصطفافهم جميعا في خندق واحد، لمحاربتها بكل الطرق الممكنة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا ودعائيا، في محاولات متكررة لوضعها في موقف المدان عالميا.
إيران التي نفضت عنها ركام نظام بهلوي ظالم مستبدّ، فضلا عن كونه عميلا للغرب، بقيادة فقيهها العارف ووليّها المجاهد الإمام الخميني رضوان الله عليه، ظهرت للعالم بنظامها الإسلامي، ومشاريعه التحرّرية في الأمّة الإسلامية، التي شكّلت عائقا أمام مشاريع الغرب الإستغلالية في المنطقة، فسعى بدوله وعملائه لعزل النظام الإسلامي عن محيطه والعالم، وهو في خطواته الأولى، وعمل الأعداء ما في وسعهم على اسقاطه، لكن محاولاتهم باءت بالفشل الذريع كلّ مرّة.
محاولات قلب حقيقة وتطلّعات النظام الإسلامي ، بعد ثورته التي انتصر فيها، وقطع بها نهائيا علاقة التبعية والعمالة لأمريكا ودول الغرب، هي الهدف الغير مُعْلن للدول المتضرّرة من إفلات إيران من دائرة هيمنتها، وهي محاولات لن تتوقف، طالما بقيت سياسة الإستكبار والصهيونية سائدة ومهيمنة على سياسات الدّول الغربية، في علاقات الدول الكبرى تجاه بقية دول العالم، وتوجّه المشروع الإسلامي في إيران نحو انهاء هيمنتهما، ليس حكرا على الشعوب الإسلامية وحدها، بل يتجاوزها ليشمل جميع الشعوب المستضعفة في العالم، ومن أجل ذلك استفحلت حالة عِداء إيران من مستكبري وصهاينة العالم، ومن تبع نهجهم من عملاء الأنظمة العربية والإسلامية، وهم يروْن ما حقّقه الشعب الإيراني برجاله من إنجازات عظيمة حصّنت وجود دولتهم، وأعطتها صورة مشرقة لنظام إسلامي، فرض نفسه بين انظمة العالم بجدارة، فلم تستطع كثافة الدّعايات المغرضة ضدّها، أن تؤثر على تماسك فئات شعبها وأعراقه داخليا، ولا أن تشوّه صورتها في أعيُنِ الشعوب العربية والإسلامية كما كان مُأمّلا، حيث لم يقع ضحية تلك الدّعايات المغرضة إلّا من كانت له عقدة نقص من قوم سلمان المحمّدي الذي بشّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بانهم أنصار دينه في آخر الزمان.
كل من تابع أحداث الثورة الاسلامية، من تاريخ انتصارها وإعلان نظامها الاسلامي، واجتيازها مراحل وعقبات عديدة، تنوّعت بين استهدافها عسكريا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، بلغت بجهود ابناء شعبها وطموحه موقعا متقدّما إلى جانب الدول الطموحة في بلوغ مستوى الدّول الكبرى المصنّعة، وهذا إنجاز ليس من السهل تحقيقه لاعتبارات عدّة أهمها صدق وإخلاص وحكمة القيادة، وعزم وإرادة وإيمان الشعب، وليس كل من أفلت من هيمنة قوى الغرب الاستعماري، قادرا على تحقيق ما حققته إيران الإسلامية من انجازات ومكاسب.
علينا أن نفهم جيّدا أننا لسنا متروكين من أعداء الإسلام المحمّدي، حتى ندخل فيما دخلوا فيه من باطل، لمسخ عقول الشعوب وجرّها، لتتحوّل من عبادة الله والتقيّد بأحكامه، إلى اتباع خطوات الشيطان، لتغيير خلق الله، والتخلّي تدريجيا عن قيمه وآدابه، مصادرنا يجب أن تكون قرآنية نبوية أساسا، حتى لا نخطئ الطريق، ومعرفة الولي من العدوّ ضرورة لا يعوضها شيء، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.)
حسن الظّن بإيران الإسلامية واجب يفرضه الشرع وليس منًّا من أحد، باعتبارها الدولة الوحيدة التي أسّس رجالها نظاما اسلاميا يعتبر في زماننا هذا الوحيد في العالم، يقطع النظر عن بقية الدول الناصّة دساتيرها على إسلاميتها، لكنها ليست كذلك، فهي باختصار دول مدنية علمانية، خلطت بين بعض الأحكام الإسلامية، بأحكام أخرى غربية متناقضة، ومعارضة لأحكام القصاص والمواريث مثلا، هذا فضلا عن كون إيران برهنت عن صدق مقاصدها ووضوح أهدافها، بشأن قضايا الأمّة الإسلامية العالقة، كقضية فلسطين، وفيما تخلت أغلب الدّول العربية عن القضية المركزية، استمرت إيران متمسّكة بها بكل قوّة، حيث لم يعد للشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، سوى إيران متصدّرة رعاية قوى مقاومة الصهيونية، وحلفائها من استكبار وعملاء، وما أكثرهم من العرب الخونة المطبّعين مع الكيان الصهيوني.
وكان منتظرا أن يحقد الغرب بزعامة أمريكا على إيران الإسلامية، فاضحة مشاريعه الشريرة في المنطقة، وهي مشاعر متوقعة نابعة من عدائه المبدئي للإسلام، لكن الغير منطقي أن تعاديها أنظمة محسوبة على الإسلام، وهي مدركة أنها تسير في فلك رغبات الغرب ودوله المعادية، وهذا ما يجب على الشعوب الاسلامية أن تنتبه له وتحذر منه، وما زالت هناك فسحة زمن لتصحيح مسار تبعيّة وتقليد خاطئ، يُعاد فيه الحقّ لأهله، وهذا أضعف الإيمان بعد تراكم المظالم بحقّ إيران الإسلام، وبقاء دّول عربية في مواقعها المعادية لإيران، وفي نفس الوقت موالية لسياسات الغرب، وأسيرة لها بإعلامه المزيّف لحقائق إيران، مسألة يجب أن تُراجَع بسرعة، وهو ما تعمل دول الغرب على استبعاده من الإصلاح، ليت الدول العربية تعي أنها ملعوب بها، لكن لا يجب تبرئة الشعوب، واعتبرها ضحية سياسات تبعية خاطئة بحق إيران، فكلّ يتحمّل مسؤوليته بقدر التفريط.
إن ما ينقذ شعوبنا الاسلامية من هيمنة الغرب واستغلاله لمواردنا، هو تصحيح علاقاتنا ببعضنا، لنجتمع على طريق واحد وهدف واحد، ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون تواصل، ورفع سرابات الوهم التي نسجتها الدعايات الغربية المعادية لإيران، ومن باب التّعارف يبدأ التصحيح، لتصل شعوبنا إلى تحقيق معاني الأخوّة الاسلامية الواجبة، فيسقط بذلك من أيدي الغرب سلاح الحرب الاعلامية، ليصبح بلا جدوى في الساحة الإسلامية، بعد كشف زيفه وأهدافه الفتنوية الهدّامة .