المترجم: الدكتور بهيج سكاكيني
المصدر: New Eastern Outlook 06.10.2018
الكاتب: Salman Rafi Sheikh (باحث ومحلل للعلاقات الدولية والسياسة الخارجية والشؤون الداخلية في باكستان)
بالرغم من تنبؤات وتوقعات العديد من الوسائل الاعلامية الرسمية الغربية حول إحتمال تضارب المصالح بين إيران وتركيا وروسيا في سورية فإن هذا التضارب او الصراع لم يحدث. وعلى العكس من ذلك فإن آفاق وإحتمالات التعاون مستمرة في الازدياد مع قرب انتهاء الحرب في سورية. والدليل الاخير يمكن إيجاده في إدلب حيث لم تعترض أو تجابه إيران المخاوف التركية ولكنها استوعبت هذه المخاوف عاكسة الحرص والحكمة الايرانية من حيث الحفاظ على إبقاء التحالف على قيد الحياة, التحالف الذي خلال السنتين الماضيتين خدم مصالح كل الدول المشاركة به. وإحدى الاسباب الرئيسية لاستمرار هذا التعاون هو استمرار تقارب مصالحهم ليس فقط في إدلب ولكن أيضا في البؤر الساخنة الاخرى في سورية كما هو الحال في الشمال الشرقي السوري حيث تتواجد قوات للولايات المتحدة والميليشيات الكردية المدعومة أمريكيا والتي لا يزال يتعين تسليم المنطقة الى الدولة السورية. ولكن الولايات المتحدة كما كشف جون بولتون قبل بضعة أيام تنوي البقاء في سوريا طالما بقيت إيران هناك.
وبينما هذا قد يعني أن الولايات المتحدة تهدف الاستمرار في محاربة إيران في سورية فإنها تفتح فرصة أخرى للتعاون بين تركيا وإيران في الشمال الشرقي السوري. وبينما يرى أن مصدر عدم الارتياح التركي هو استمرار دعم الولايات المتحدة للمليشيات الكردية والتي تعتبرها تركيا بأنها إرهابية فإن أيران ايضا تعتبر هذه المجموعات وكلاء أمريكية يتم استخدامها على الارجح لتعطيل والحاق الضرر بالمكتسبات التي حصلت عليها في سوريا. ولقد صرح قياديين إيرانيين مؤخرا على اهمية تخليص مناطق شرق الفرات من التأثير الامريكي وهذا يجعل من إيران حليفا طبيعيا لتركيا والتي تسعى أيضا لتحقيق هذا الهدف والذي هو أيضا المصدر الاساسي لاستمرار حالة التوتر في العلاقات الامريكية – التركية.
ومع تركيز تركيا وإيران على المنطقة التي تقع تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية فإن آفاق مجابهة مشتركة (تركية ايرانية) للولايات المتحدة قد تزايدت. ومن المفارقات بما فيه الكفاية ان الولايات المتحدة نفسها هي التي تستمر على إعطاء كل من إيران وتركيا كافة الاسباب للتقارب فيما بينهم. وعلى سبيل المثال فإنه عندما يصرح جون بولتون أن الولايات المتحدة لن تغادر سورية الا إذا ما فعلت إيران ذلك اولا, فإنها تعني أن الولايات المتحدة ستبقى على رعاية الاكراد أعداء تركيا الرئيسيين, مما يعني كذلك ان تركيا لا يمكنها التفكير بالاعتماد على الدعم الامريكي للتخلص من الاكراد ودفعهم بعيدا عن تلك المنطقة.
وعلى النقيض فإن إتخاذ تركيا لاجراءات في الشمال الشرقي لسوريا تم التعبير عنه بوضوح من قبل اردوغان بعد أن توصل الى إتفاق بشأن إدلب. فقد صرح ” ان تركيا ستتخذ إجراءات شرقي نهر الفرات في سوريا وفرض منطقة آمنة كما فعلت في الشمال الغربي من سورية”. وكما بينت التطورات الاخيرة أن البرلمان التركي قد وافق على إعطاء الولاية لإجراءات الجيش التركي ضد الاكراد في سورية.
وبالنسبة لايران فإنه لا يوجد سيناريو أفضل من التعاون مع تركيا كما هو الان. فما يعنيه تجديد هذه الولاية ( تركيا قامت بتجديد هذه الولاية للجيش منذ 2014) هو ان تركيا مستمرة بسياستها بعدم تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة وأنها عازمة على البقاء مرتبطة بعملية شوتشي التي تدعو الى إعادة توحيد سوريا كدولة ذات سيادة. وأهمية إطار سوتشي لا يمكن إنكاره بما ان تركيا استخدمت نفس المنصة للحصول على موافقة روسيا وسوريا وإيران وحزب الله على إتفاقية إدلب.
هنالك بالطبع مساحات رمادية أيضا. والكثير من الامور تعتمد على كيفية تعامل تركيا مع ما إتفق عليه بشأن إدلب. إن فشل تركيا في إنجاز جانبها من الاتفاقية سيجعل الهجوم الروسي-الايراني لا مفر منه وإذا ما حدث ذلك فإنه سيضع تركيا في موقف صعب تجاه كل من إيران وروسيا وعمليات سلام استانا وسوتشي. والسؤال هو هل ستستمر تركيا في التعاون في أعقاب هجوم على نطاق كامل وفي اعقاب تحمل تركيا مرة أخرى عبء اللاجئين؟
وعلى الطرف الاخر فإن حقيقة ان عقوبات الولايات المتحدة والتعرفة قد تسببت في هبوط الليرة التركية بنسبة 40 بالمئة مقابل الدولار الامريكي يعني ان آفاق تحسن في العلاقات التركية – الامريكية بأن تتخذ مسارا إيجابي هي ضئيلة للغاية وهذا يعني أن تركيا ستجد من الصعوبة للغاية ان تعزل نفسها كلية بإنهاء التعاون مع إيران وروسيا في سوريا.
والى جانب ذلك فإن المزاج الشعبي في تركيا يبقى علنا ضد الولايات المتحدة. وعندما افتتح أردوغان جلسة البرلمان التركي هذا الاسبوع لم يكتفي بإنتقاد سياسة الولايات المتحدة في سوريا وإعتمادها على تسليح الاكراد ولكنه هاجم أيضا ” المتخلفين عقليا من استخدام القس الذي يحاكم لعلاقاته السوداء مع منظمات إرهابية كذريعة لفرض العقوبات”.
ولذلك فإنه من غير المرجح ان تغير تركيا مسارها في سوريا وبالتالي فإن آفاق تعاونها مع إيران في شمال شرقي سوريا يبقى أكثر إشراقا من تلك التي تدعو الى المجابهة والصراع. وما لم يحدث تغيير جوهري عكسي في السياسة في واشنطن تجاه تركيا وهو غير مرجح للحدوث الى درجة كبيرة تحت رئاسة ترامب فإن هذا التعاون سيستمر بسلاسة أكثر مما تراه العين.
bahij.sakakini@hotmail.co.uk