أبارك للأمّة الإسلامية حلول شهر رمضان المبارك، جعلها الله فاتحة عهد تحوّل جذريّ، لزيادة الإهتمام بدينها وتزكية أعمالها، وقد رأيت أن أنقل للأخوة الكرام، خطبة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند استقبال شهر الصيام، وهي جامعة لكل مطالب البرّ والخير، لمن يسعى إلى رضوان الله، ويعمل لآخرته، إذا نحن عملنا بهذه الإرشادات النبويّة، فقد وفّقنا لخير عميم، ستتواصل على منواله حياتنا، فتصفو من كل ما يكدّره من الذنوب والمعاصي التي نستهين بها وهي عند الله عظيمة، والذنب ذنب كبر أو صغر ولسنا من نملك ميزان تصنيفه، رجوعا إلى قوله تعالى: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) (1)
غير أنه عندما يستحكم التعصّب على قوم، فيذهبون إلى رد هذه الخطبة، وهي من الخطب القليلة التي نفذت بجواهر حكمها إلينا، يأخذنا العجب من تعاليقهم عليها، بردّها بكل فظاظة، دون أن تمسّهم كلماتها البليغة المتّصلة بالوحي، بأي شعور بأنها قد تكون من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو بنسبة قليلة من الإحتمال، فهذا مركز الفتوى الوهابي، يقول ردّا على استفسار أحدهم بخصوص الخطبة:
(فإنا لم نطلع على هذه الخطبة في شيء من كتب أهل الحديث، ولم نجدها مسندة في أي شيء من المراجع الحديثية المعتبرة، ولا نشك أنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعة، وفي فقراتها ما يخالف العقيدة مما اتبدعه بعض المتبدعة من الغلو في بعض الصحابة، ولكن بعض فقراتها ثبت ما يدل عليها مثل فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار، ففي حديث الصحيحين: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم. راجع الفتوى رقم: 68093 والفتوى رقم 72059:)(2)
ولا أجد ما أقول لهؤلاء وأتباعهم، إلا ما قاله الله سبحانه، في الذين لم تجد نفحاته المباركة إلى قلوبهم سبيلا: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)(3)، نحن اليوم نعيش -على أقلّ تقدير يمكن أن يحكم به عاقل- زمن مساواة التراث الإسلامي، فلا تَغلب حجة أحد على آخر دون بيّنة، والزّمن الذي كان المسلمون يُحملون فيه قسرا على مذاهب محددة، قد ولّى بذهاب متعصّبيه، وبقاء تبعاتهم يتحمّلون أوزارها إلى اليوم، ومن بقي من هؤلاء اليوم قد انكشفت أهدافهم وتعرّت نواياهم، وبانت عقائدهم المهزوزة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس هذا مجال ذكرها.
إنّ من يقرأ الخطبة النبويّة المليئة بالارشادات والتوجيهات الالهية لا يجد بدّا من الاقرار بكونها صادرة عنه، متناسقة لا وجه للتلفيق فيها، والاعتراض عليها من فرقة الوهابية من تبعهم على تعصّبهم فاقد للحجة والمنطق، سينكره كل من ليس في قلبه مرض، فيتقبلها خطبة عظيمة مجزية لشهر عظيم، نسأل الله تعالى من فضله فيه ما يقينا فتن الضالين والمضلّين من أعداء محمد وآل محمد.
حدّث الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه الطاهرين عليهم السلام، عن أبيه الإمام علي عليه السلام قال: إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خطبنا ذات يوم، فقال :
فقال :(أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو
شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.
أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أو زاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، وأعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أيها الناس، من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق نسمة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل: يا رسول الله، وليس كلنا يقدر على ذلك. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء.
أيها الناس، من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه ، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفّف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور .
أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم أن لا يُغلقها عليكم،
وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم .قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): فقمت فقلت: يا رسول الله ، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال : يا أبا الحسن ، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل .(4)
المصادر
1 – سورة النور الآية 15
2 – الفتوى 112564
https://islamweb.net/ar/fatwa/112564/
3 – سورة الحج الآية 46
4 – الأمالي الشيخ الصدوق ص 154/ عيون أخبار الرضا عليه السلام الشيخ الصدوق ج1ص 265 ح53