من طبيعة الكيان الصهيوني أن تستمر «مؤسساته» السياسية والعسكرية والبحثية في التفتيش الدائم عن الوسائل والطرق والمشاريع والسيناريوهات لتحقيق أهدافها وضمان وجود هذا الكيان الغاصب، ولذلك يشجع متزعمو الكيان مراكز الأبحاث والدراسات على وضع تصورات تستشرف بوساطتها كل التطورات ذات الصلة بالمنطقة وإعداد الخطط المسبقة للهيمنة على العالم العربي والمنطقة كلها.
ومن بين مراكز الأبحاث التي تخصصت بهذا الاتجاه البحثي ظهر مركز الأبحاث «شاشا – للأبحاث الاستراتيجية» التابع للجامعة العبرية في القدس المحتلة عام 2007 الذي أسسه ويديره أفرايم هاليفي رئيس «الموساد» (في 1998 -2002) وكان قد خدم في الموساد منذ عام 1961. فقد أعد هذا المركز عدداً من الدراسات والأبحاث التي تضع التصورات والسيناريوهات على مدى عشرات الأعوام، وتقترح الخطط والخيارات لمواجهة ما تتوقعه من أخطار على مصير هذا الكيان.
وفي أحدث منشوراته أصدر المركز كتاباً بالعبرية باسم «إسرائيل عام 2048» في 15 نيسان 2018 أعده خمسة طواقم من رجال الأبحاث يقترحون فيه ما يجب على الكيان القيام به حتى عام 2048 أي بعد مئة عام على إعلان إنشاء الكيان عام 1948ويقترح هذا الكتاب تحت عنوان «أهداف استراتيجية أولية: في الموضوع السياسي- «إعداد استراتيجية منهجية على قاعدة تأسيس وإدارة شبكات علاقات دينامية متعددة القنوات من القوى التي تؤيد الغرب بقيادة الولايات المتحدة للقيام بالتصدي لنفوذ دول الشرق واستغلال الفرص الإقليمية».. وفي الموضوع العسكري والأمني يضع خطة «لتعزيز القدرات العسكرية بكل أنواعها والتوسع في القدرة على رصد وجمع المعلومات بشكل متكامل وتطوير القدرات على إحباط ومنع النفوذ والتأثير المضاد في الدوائر الجغرافية المتنوعة بمساعدة التعاون الدولي».. وأعطى المركز في كتابه هذا أهمية لما أطلق عليه اسم «التغيرات والانقسامات البنيوية في البيئة الإقليمية» وتوظيفها في رسم ما سماه «حدود إسرائيل المقبلة»..وأوضح أن «طبيعة معظم أنظمة الحكم في المنطقة ما زالت قابلة لانقسامات عميقة سياسية واجتماعية تولد النزاعات القابلة للاستغلال من قبل إسرائيل».
وأعد (حاغي تصوريئيل) مدير عام وزارة الاستخبارات بحثاً عرض فيه «صورة استراتيجية واسعة لموازين القوى والصراعات الجيو- سياسية المحتملة العالمية والإقليمية» وعرض بشكل خاص تحت عنوان «الساحة السورية» وذكر أنها «تشكل إلى حد كبير صورة مُصغرة لهذه الصراعات والنزاعات وتزداد فيها إمكانية الصدام المباشر بين إسرائيل والمحور الإيراني- السوري – حزب الله» ويضيف تصوريئيل أنه «على الرغم من الأخطار المتنوعة التي تواجهها إسرائيل في المنطقة لكنها لاتزال تجد فيها فرصاً استراتيجية مهمة».
وهذا يعني بشكل موضوعي أن الكيان الصهيوني سيعمل بشكل دؤوب على وضع سورية تحت مجهر الاستهداف بأشكال متنوعة وباستغلال كل فرصة تلوح له من أجل تفتيت قدراتها وتحالفاتها للتخلص من سياستها المناهضة للهيمنة الصهيونية – الغربية ولأنها أيضاً جزء من تحالف دولي شرقي يضم جميع المناهضين للهيمنة الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
ولذلك، لا يبالغ المرء حين يتوقع أن تشهد هذه المنطقة بعالميها العربي والإسلامي بموجب ما يكشفه الكيان الصهيوني بلغة صريحة عن أهدافه الاستراتيجية التي تحقق مصالحه «في التوسع وضمان استمرار بقائه» عن طريق «خدمة الولايات المتحدة والغرب واستغلال تحالفاته في المنطقة» لمنع «تأثير ونفوذ الأطراف الأخرى التي يطلق عليها تسمية «القوى الشرقية».. ولا شك في أن الاستعداد المسبق لما يعرضه مشروع «إسرائيل عام 2048» من سيناريوهات وخطط للهيمنة على مقدرات وحقوق شعوب المنطقة يتطلب بشكل عملي إعداد مشروع محور المقاومة المضاد والقادر على حماية المصالح والأهداف الوطنية والقومية لشعوبه وشعوب المنطقة عموماً. والكل يعرف أن الكيان الصهيوني يحاول منذ فترة توظيف بعض الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة في مشاريعه التوسعية وفي خططه لتمزيق أي تضامن عربي أو إقليمي بين دول المنطقة، لأن كل تضامن بين دول المنطقة، مهما كان حجمه، سيشكل عاملاً يساهم في المحافظة على مصالح جميع هذه الدول، ويحبط المشروع الصهيوني المُعد تنفيذه خلال العقود المقبلة بموجب ما يطرحه مركز أبحاث «شاشا للأبحاث الاستراتيجية» في هذه الأوقات.