لما كانت أفغانستان هي اللبنة الأولى في مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أعلن عنه جورج بوش الابن، إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام ٢٠٠١، التي استغلها في تنفيذ مشاريعه، وتحقيق أحلامه، التي وصفها بأنها تعاليم ربانية وأوامر إلهية، على الرغم من أنها دموية وحشية، وعدوانية ظالمة، واستعمارية مدمرة، لا عدل فيها ولا مساواة، ولا إنصاف فيها ولا اتزان، حيث بدأ مشروعه الاستعماري الكبير بغزو أفغانستان، بعد أن شكل معه حلفاً دولياً من أكثر من خمسين دولة، وأعلن عزمه إسقاط حكم طالبان، وتفكيك القاعدة، واستئصال الإرهاب، وتصفية أعداء أمريكا، الذين وصفهم بمحور الشر، واعتبر من لا يقف معه أو لا يؤيده في محوره الجديد ولا يقاتل إلى جانبه، أنه جزءٌ من محور الشر ينبغي استهدافه ومحاصرته، ومحاكمته ومعاقبته.
كان غزو أفغانستان هو إشارة البدء في انطلاق مشروع الخراب ومسلسل العدوان، الذي أسس للفوضى ونثر بذور التطرف والإرهاب في كل أنحاء الدنيا، وهو المشروع الشيطاني الذي ما زلنا نعاني منه ونشكو من آثاره وتداعياته، وندفع الكثير بسبب نتائجه واستمراره، إذ لم يكن سوى عملاً أهوجاً وحروباً طائشة، وعدواناً مزاجياً وأحلاماً دموية، وقد تولى كبره وقاد مسيرته شياطينٌ كبارٌ ومردةٌ مجانين، تقدمهم جورج بوش الابن، ومعه رئيس الحكومة البريطانية الأسبق طوني بلير، وساعدهم الكثير من صغار الشياطين أمثال مادلين أولبرايت، ودونالد رامسفيلد، وكولون باول، وبول ولفويتس وغيرهم.
تبع احتلال أفغانستان الكثير من الأحداث الدامية والحروب المأساوية، التي لا يمكن وصفها سوى أنها عبثية مجنونة، استهدفت الشعوب والبلاد، وخربت الأوطان وقوضت السلطات، ونهبت الخيرات وأهدرت المقدرات، وأدخلت المنطقة كلها في دوامة عنفٍ وصيرورة خرابٍ لم تنتهِ، ومنها إعطاء رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرئيل شارون الضوء الأخضر لاجتياح المنطقة المصنفة “A” في الضفة الغربية وكل مدنها، وقد استغل شارون الضوء الأخضر الأمريكي والظروف الدولية السائدة، والتي وصفت حينها بأنها مواتية للكيان ومتناسبة معه، فواصل اعتداءاته على كل مساحة الضفة الغربية، واستهدف المباني والمؤسسات الحكومية، والمقار والمراكز الأمنية، واعتقل الآلاف من أبناء الضفة الغربية، واضعاً حداً نهائياً لتصنيفات وهم وسراب اتفاقية أوسلو.
لم يكتفِ شارون باستباحة الضفة الغربية ومدنها، بل أقدم على حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مكتبه بمقر المقاطعة في مدينة رام الله، وعاثت دباباته وجرافاته خراباً وفساداً في محيط مكتب الرئيس عرفات، قبل أن يتخذ والمتعاونون معه قراراً بتسميمه وتصفيته، بعد أن تأكد له رفع الغطاء الدولي والعربي عنه، وقد تم ذلك كله بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي سمح له بتقويض ما كان، والتأسيس لواقعٍ جديدٍ يقوم على القوة والخضوع، وينسجم مع مخططات الشرق الأوسط الجديد، الذي سينعم -وفق معتقداته- من توافق معه ولم يعترض عليه بالخيرات، وإلا فسيكون ملعوناً يرجم، وعدواً يقتل، وفي السياق نفسه والمرحلة ذاتها، أجهض بوش وشارون مبادرة السلام العربية، وأعلنا رفضها وأنها لم تعد تناسب الشرق الأوسط الجديد.
تابع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش جنونه، وواصل عدوانه، فغزا العراق ودمره، وخربه وقوضه، وفكك جيشه وحل مؤسساته، وزرع فيه الفتنة، وأسس فيه وحوله لحروبٍ طائفيةٍ ومذهبيةٍ لم تنتهِ فصولها بعد، ولم يبرأ العراقيون منها، ولم يشفوا من جروحها الغائرة ودماملها الخطيرة، وقد كان تدمير العراق شرطاً أساسياً في مشروعه، وجزءً مهماً من خطته، فالعراق تاريخياً كبيرٌ في مهمته، قويٌ في جيشه، قوميٌ في موقعه، صادقٌ في مواقفه، كما أن قدراته ضخمة، وثرواته هائلة، وطموحاته كبيرة، واستعداداته لخوض المعارك والانتصار في الحروب كبيرة، وهو ما كان يقلق الإسرائيليين ويخيفهم، ولهذا كان تدميره ممنهجاً، وتخريبه مقصوداً، وإشعال الفتنة المذهبية فيه ضرورياً، وإلا فإن العراق سينهض من كبوته سريعاً، وسيخرج من محنته معافىً، وسيعود إلى سابق مجده قوياً رائداً مقداماً.
واصل المخططون للشرق الأوسط الجديد مؤامراتهم، وعمدوا إلى توسيع دائرة خرابهم، فتوجهوا نحو سوريا فهددوها، ورئيسها فحذروه، وحدودها فاجتاحوها، وسيادتها فانتهكوها، واستعرض كولون باول أمامه متغطرساً قوة جيشه وسطوة بلاده، وعرض عليه الخضوع والامتثال، والتبعية والانقياد، والاستجابة إلى الشروط والقبول بالمعروض، والتخلي عن المقاومة وطرد قادتها، والتضييق عليها وعدم مساعدتها، وإلا فإن ما أصاب العراق سيصيبهم، وما حل بأهله سيحل بشعبها، والصورة اليوم على ما هدد خير شاهد، والدمار على ما قال أصدق عبرة، إلا أنه وجد من سوريا صدوداً، ومن قيادتها إعراضاً، وكان المخططون للدمار قد وضعوا سوريا كما العراق في مقدمة أهدافهم، وعلى سلم أولياتهم، وقرروا إضعاف البلدين وتفكيكهما، وحل جيشهما وتدميرهما، وخلق المشاكل والأزمات لهما، وإشغالهما بأنفسهما.
سقط الركن الأول، وإنهار الصرح الأكبر، وتزلزل البنيان غير المرصوص بفشل المشروع الأمريكي الغربي الإمبريالي في أفغانستان، وانسحب الغرب وخزي الأمريكان، فتبددت الأحلام وغارت الآمال وانتهت المخططات، ولم يعد وجود للمولود الميت المسمى الشرق أوسط الجديد مكانٌ، فهل تسقط كل الحجارة الأولىمن بعده، ويتوالى دومينو الانهيار بعد أفغانستان، فيكون الانسحاب المدوي من العراق، والفشل المهول في سوريا، وتكون الخاتمة عليهم وخيمة سخيمة، وعلينا طيبة سعيدة، فينهار المشروع الصهيوني وينتهي كيانهم ويتفكك، ولا يعود له وجودٌ ولا ضرورة، ولا وظيفة ولا منفعة، ويتخلصون منه ويبتعدون عنه، فهو الأكثر ضرراً والأسوأ كياناً، وهو أساس كل فتنة وسبب كل نكبة.
يتبع….
moustafa.leddawi@gmail.com