لأنّ الإيرانيين قوم ذوي خصال رفيعة، ميّزتهم عن غيرهم في الجدّ والمثابرة والاصرار، وطول النّفس، لا يقبلون الضّيم، ولا ينسون تاريخ محنهم، ولا يتنازلون عن حقوقهم مهما طال الزمن، كانوا على موعد اليوم – وكل أيّامهم مواعيد- لإحياء ذكرى حادثة إسقاط الطائرة المدنية الإيرانية، التي كانت في رحلتها المتوجهة من طهران إلى دبي.
ففي مثل هذا اليوم من سنة 1988 اقلعت من مطار مهرباد بالعاصمة طهران، طائرة نقل الركاب الايرانية “ايرباص” التابعة لشركة الخطوط الجوية الايرانية “ايران اير” في رحلتها رقم 655 وعلى متنها 290 راكبا، بما فيهم طاقم الطائرة، غير أن البارجة “يو اس اس فينسنس” التابعة للقوة البحرية الاميركية تنفيذا لأوامر صدرت لقائدها، بتنفيذ جريمة الاعتداء السافر، وإسقاط الطائرة بصاروخين، على ارتفاع 12 الف قدم، فوق مياه الخليج الفارسي، ما أدى الى استشهاد جميع الركاب، الذين يوجد من ضمنهم 44 طفلا وكذلك 33 اجنبيا.
الاستهداف كان مقصودا، ويندرج في إطار حرب حقيقية، وان خفيت اعلاميا على من لا يبذل أدنى جهد، في متابعة الاحداث والتطورات العالمية، من ضمن أهدافه تحريض الشعب الإيراني ضد نظامه، والعملية بحد ذاتها بلغت من جبن الأمريكيين، ونذالة أنفسهم المريضة، المتعطشة للعدوان والمنتهكة لأبسط قوانين حقوق الإنسان، مبلغا لم تعرفه الإنسانية في هذا العصر.
ليس هذا فقط، بل بلغ السقوط الاخلاقي بالإدارة الأمريكية، ويكافئ قائد البارجة بوسام منحته اليه، تقديرا على جريمته التي ارتكبها، واودت بحياة ذلك العدد الكبير من الأبرياء، وهذا التصرّف يكشف طبيعة النظام الامريكي الاجرامية بقطع النظر عن اسم رئيسهم.
واليوم وبهذه المناسبة الأليمة، توجه الإيرانيون إلى مكان سقوط الطائرة، ونثروا الورود ترحما على أرواح شهدائهم، أحياء لمظلوميتهم التي ستبقى حاضرة في وجدانهم، مذكرة من غفل أن أمريكا بنظامها وادواتها وقوتها، لا تعترف بالقيم وتدوس عليها، ولا تقيم للإنسانية وزنا، شغلها الشاغل السيطرة، واستغلال الشعوب دولها، لأجل بقائها متسلطة على مقدراتهم، متحكمة في سياساتهم، وفارضة عليهم منهج اتباعها طوعا أو قسرا، لكنها لم تنجح مع إيران، وفشلت في تحقيق شيء من ذلك، بفضل النظام الإسلامي، الذي أعلن بكل وضوح عداءه لأمريكا منذ اول ايام انتصار الثورة الاسلامية، معتبرا إياها رمزا للاستكبار والشيطنة في العالم، واداة التسلط على الشعوب الضعيفة، تتحكم فيها كيف تشاء.
لقد صدق الإمام الخميني عندما اطلق على امريكا لقب الشيطان الأكبر، بسبب أفعالها الشيطانية في سحق الشعوب الضعيفة، واخضاعها إلى ارادتها، خصوصا مساندتها المطلقة للكيان الصهيوني، في انتهاكه لكامل حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، وإصرارها المتواصل على الوقوف إلى جانبه، تدعمه بكل الإمكانيات من أجل تثبيته على أرض فلسطين، على الرغم من تكاثر انتهاكاته، وتعدد جرائمه بحق أصحاب الارض.
طبيعي أن تكون ردود الافعال للنظام الاسلامي في مواجهة الغطرسة الامريكية غلق طرق التوصل معه لإيمانه الراسخ بانه الجانب الامريكي لا يملك مصداقية تطمئن باحتمال تغير سلوك العجرفة الذي تنتهجه، وعليه فإن تمسك ايران واصرارها على القطع النهائي مع أمريكا سياسة اسلامية ثابتة لا يمكن أن يغيرها شيء، فايران ليست كوريا الشمالية، وعداؤها للاستكبار مبدئي، وعقيدة راسخة، تطبيقا لشعيرة البراءة من اعداء الاسلام المحمدي.
وفاء النظام الإسلامي، ومن ورائه الشعب الإيراني لقضاياه واستحقاقاته، مسألة يشهد فصولها العالم، ويقف عند حقيقة ان المواقف الإيرانية في كل قضية، ومسألة تحتاج إلى من يفهمها، ويستخلص منها الدرس تلو الاخر، لتكون أمثلة حية قريبة منهم وفي متناولهم، بإمكان بقية الشعوب النسج على منوالها، لتتمكن من التخلص من مسارات التبعية والإرتهان لأمريكا والغرب، فليس أقوى من المثال الواقع، يقدّم لمن يعي ويفهم معنى ضرب الامثلة، لاستخلاص العبرة منه.
يوم حزين اخر من تاريخ ايران المعاصر، خط بعدوان أمريكي، لا مبرر له قانونا ولا أخلاقا.. يوم تظهر فيه مظلوميتها واضحة جلية، لمن يبصر خارج الهيمنة الأمريكية.. يوم يؤكد فيه الإيرانيون انهم شعب عصي على امريكا واستكبارها، ليس بإمكانها ان تغير من قناعاته وخياراته، التي اختارها ووافق عليها بنفسه بكل حرية، بعد انتصار ثورته التي اقضت مضاجع الأمريكان أولا، ومن ورائه القوى المعادية للإسلام المحمدي الاصيل.
الرحمة والرضوان والخلود لشهداء ايران الاسلامية، وشهداء محور مقاومتها اينما استقر بهم النوى برّا وبحرا، والخزي والعار لأمريكا وأدواتها، ومن ركب مراكب ذلّها، وهو يعتقد انها موصلة إلى بر الأمان.
الوسوممحمد الرصافي المقداد
شاهد أيضاً
الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد
لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …