الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

رجل الإصلاح الذي أحيا نظرية الحكم في الإسلام …بقلم محمد الرصافي المقداد

لا يمكن المرور على شخصية عالمية كبيرة، تركت بصماتها واضحة جليّة في بلادها، وأثّرت بشكل كبير في الساحة الإسلامية والعالمية، من دون أن نُولِيها أهمّيتها التي تستحق، فنعطيها بعض حقّها الواجب علينا، ردّا على قوى الغرب وعملائه، الذين بذلوا قصارى جهودهم في تشويهها، وسعوا بوسائلهم الإعلامية المتنوعة، للتأثير سلبا على مشروعه في استعادة الإسلام المحمّدي دوره الريادي، على مستوى القيادة الصالحة للشعوب الاسلامية، محاولة منهم في منع انتشار فكره الثوري، ورؤيته العميقة في إطار شمولية الاسلام كمنظومة إلهية، هدفها تأصيل معارفها وإرساء نتائجها المترتبة عليها من عدل وأمن بين الناس، وقد وجد كل من اطّلع على مؤلّفاته ارتباطا وثيقا بأحكام الإسلام واستحقاقاته الضرورية، وفي مقدّمتها قضية تحرر الشعوب الإسلامية من تبعية وهيمنة القوى الإستكبارية.

شخصيّة رسمت بقوّة أحداث الثلث الأخير من القرن الماضي ( 1963/ 1979) فأدارت أعناق دول وشعوب العالم إليها، بمواقفها الصائبة ومشروعها الكبير، في إقامة نظام حكم إسلامي، على أساس نظرية ولاية الفقيه، التي برهنت بها أن الإسلام دين سياسة، جدير بقيادة الشعوب الإسلامية بل وقيادة العالم بأسره، وليس كما عمِل أعداء الإسلام المحمّدي على إشاعته بين المسلمين، بأنه دين بعيد عن السياسة والحكم، بدليل السياق التاريخي في إحكام الفصل بين الدين والسلطة على مدى خمسة عشرة قرنا ماضية.

ثورة قادها الإمام الخميني (1) منذ سنة 1963 بجدارة، وكانت خطاباته التي كان يلقيها، على طلبة العلوم الدينية، والمتابعين له من أبناء شعبه، كاشفة عمالة الشاه ودوره الخبيث في خدمة مصالح أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني في إيران، خطابات متحدّية غطرسة حكومة آلت على نفسها أن لا تقيم وزنا للدين والوطن، بأسلوب العالم الوليّ الثائر، في كشف ما خفي من سياسات منحرفة عن أصالة إيران، صاحبة التاريخ الإسلامي المليء بخدمة الإسلام.

ظهور الإمام الخميني رضوان الله عليه في ذلك التوقيت الحساس، وتصديه لسياسات الشاه المنحرفة، في إطار حركة الإصلاح ضرورية، هي من سنن الله في تقويم خلقه، وتوجيههم الوجهة الصحيحة، في إقامة الإسلام الشمولي، الرافض للتجزئة والسّلب لمقوماته، مصداق الحديث: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)(2) ولا يمكن تجديد الدين من دون إحياء أحكامه وبيان وسائله في قيادة أهله.

لقد أوجد الامام الخميني رضوان الله عليه من خلال دروسه ومحاضراته عن الحكومة في الإسلام ثقافة لم تتوقف عند الإيرانيين فقط، بل انتشرت فكرتها وذاعت بين مثقفي الأمّة الإسلامية، فتبناها من تبنى من عرب المسلمين وعجمهم، مؤمنين بأصالتها وجدواها، فدعوا إليها واصبحوا من أنصارها، والإسلام هذا الدين الخاتم لرسالات الله قال بشأنه: ( الإسلام دين السياسة، وهذا الأمر واضح ـ في جميع الشؤون ذات البعد السياسي ـ لكل من له أدنى تدبّر في أحكام الإسلام الإدارية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وعليه فكل من يعتقد بأنه لا علاقة للدين بالسياسة، فهو لم يفهم “الدين” ولم يعرف “السياسة”.(3)

والذي تحقق على يد الإمام الخميني لم يكن ميسورا لكثير من أولياء الله الكُمّل، ليس لعدم قدرتهم على القيام بذلك، فهم أيضا أهل تحقّق الكرامات الإلهية على أيديهم، بل للتّباين الكبير بين هؤلاء القادة العظام ومجتمعاتهم وبيئتهم التي عاشوا فيها، النجاح والفشل في المشاريع الاجتماعية والسياسية الكبرى مرتبط باستجابة البيئة الحاضنة لها، وهذا ما ساعد هذا الفقيه العارف على تحقيق إنجازه في إرساء نظام حكم إسلامي، كان بعيدا عن متناول من سبقه من العلماء والفقهاء، بل كان حلما بعيد التحقّق بالنسبة إليهم.

دور الفقيه لا يقف عند بيان أحكام الله إباحة ونهيا، ليكون موظفا تحت سلطة حاكم يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، بل هو دور محوري يصل إلى مستوى تقلّد زمام الحكم في بيانه وتنفيذه، وهذا ما عمِل أعداء الإسلام على بثّه في عقول المسلمين وتأصيله فيهم، حتى أصبحت نظرتهم إلى الإسلام قاصرة عن إدراك أنه نظرية حكم متكاملة غير منقوصة، أنزلها الله لإسعاد البشرية، تحت منظومته التشريعية وقوامها التنفيذي، يقول الامام الخميني رضوان الله عليه: (كونوا على اطمئنان بأن كل ما هو بصلاح المجتمع في بسط العدالة ورفع أيدي الظلمة وتأمين الاستقلال والحرية، والنشاطات الاقتصادية وتعديل الثروة، موجود في الإسلام بشكل كامل وبصورة منطقية، قابلة للتطبيق والتجسيد العملي، ولا يحتاج إلى تأويل خارج حدود المنطق.)(4)

لم يكن سهلا على هذا المصلح الكبير طرح نظريته على أبناء شعبه، دون أن يكون متاحا له توفر فرصة إقامتها، وقد أتاحت له الثورة التي قادها، وانتصر فيها على أكبر عميل لقوى الغرب في المنطقة، وبإسقاطه قطع أيدي مستغلي ثروات بلاده والعابثين بمقدّراتها، أن يبسطها للإستفتاء الشعبي جاءت نتائجه، بإجماع بلغت نسبته العالية 98.2%، ليتأسس بعدها نظام ولاية الفقيه العادل، الذي بلغ اليوم بإيران إلى مصاف الدّول النامية، المنافسة بقوة دول الغرب في العلوم والتكنولوجيا المدنية والعسكرية، برهنت فيه أن الإسلام إذا فصلت أحكامه وآدابه عن السياسة، يصبح عقيما بلا فائدة.

المشاريع الإنسانية سواء أكانت إلهية أم بشرية تقاس بنتائجها، وقد شهد العالم على أنّ ما أسسه الإمام الخميني من نظام الإسلامي في إيران، قد اجتاز بنجاح باهر جميع مراحل نموّه وتأصيله، ولم تكن العقبات التي اعترضت طريقه – وهي خطيرة – لتُعيقه عن التقدّم في بنائه، وإثبات جدارته بقيادة المجتمع نحو الافضل، رغم ما خططته أمريكا والصهيونية العالمية له، قد استطاع أن يتجاوز كل تلك المؤامرات، ويستمرّ في بناء دولة عتيدة، قبلت التحدّي وقاومت أعداءها بكل الوسائل المتاحة لها، وحقّقت جميع أهدافها في التقدّم ومنافسة الدول المتقدمة، وأعطت دليلا غير قابل للنقض بأنّ نظرية الإمام الخميني رضوان الله عليه في الحكم الإسلامي صائبة في بنائها الفكري، مستجيبة تماما لشروط الحاكم الإسلامي، وأهمّها الأعلمية والعدالة، ومن كان مع الله في نصرة دينه وإعلاء كلمته، كان الله معه في تثبيته على ذلك.

المراجع

1 – ولد الامام روح الله الموسوي الخميني في 20 جمادى الآخرة سنة 1320/ 23 سبتمبر 1902// وتوفي في 3 يونيو ( جوان) 1989 بعد تسع سنوات من إقامة مشروعه الإسلامي في حكومة إسلامية مبنيّة على أساس ولاية الفقيه العادل.

2 – سنن أبو داود أول كتاب الملاحم باب ما ذكر في قرن المائة ج4ص313 ح 4291 / فتح الباري ابن حجر ج13ص295 /المقاصد الحسنة السخاوي ح149 السلسلة الصحيحة الالباني ح599

3 – الحكومة الإسلامية في فكر الامام الخميني (ره)

https://alwelayah.net/post/39535

4 – الحكومة الإسلامية في فكر الامام الخميني (ره)

https://alwelayah.net/post/39535

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024