لقد انتظرنا بفارغ صبر خطابكم، مع الضغط النفسي الذي أوجدته الحالة الاستثنائية والخطيرة، التي تمر بها تونس وبقية دول العالم، زادنا تأخير تقديمه قلقا وحيرة، دفعتنا الى التساؤل عن سبب ذلك، وقد عزاه بعضنا الى قيمة ما سيتضمنه من قرارات هامة، من شأنها أن تسابق قرارات الدول الأخرى وتتميز عليها، ذكرنا هذا الأسلوب بالنظام السابق، في لعبه بأعصاب الشعب.
وأخيرا حل ركب خطابك، فكان حقيقة مخيبا لآمال من انتخبوك، وانتظروا منك ان توفي بوعودك الانتخابية، وقد مر شهران ونصف، دون أن تقدم مما آليته على نفسك شيئا، يحسسنا أننا فعلا قد أصبنا باختيارك رئيسا لبلادنا، وطوينا بك صفحتين من الحكم الدكتاتوري السلبي، لا يزالان يلقيا بظلال خيبتهما علينا من عدة نواح، لعل أهمها البنية الصحية والعلاجية المتهرئة عندنا، والتي تكاد تكون خاوية على عروشها (تحديدا المشافي والمراكز العلاجية العمومية) وقد جاء وقت الحاجة اليها.
خطابك يا سيادة الرئيس لم يكن بحاجة الى التأخير ولا طول مشاورة، بعدما ظهر خاليا من القرارات القوية الحاسمة، واعتمادك الأساسي على الشعب في الانضباط خطأ فادح، وكأني بكم قد قفدتم التواصل معه، وغالبيته تتهافت على الاكتظاظ، وتتنافس على شراء المواد التموينية، في غياب شبه تام لوسائل الوقاية والتقيم الصناعي.
ولا أخالكم بمعزل عن العالم ايضا، ومتابعة تجربة الصين في احتواء الفايروس، وتجربة ايران في مقاومته، رغم الحضر الكامل الذي تكابده متذ سنوات، والذي دل على أن النظام الأمريكي، ليس جديرا بان يكون الا نظاما شيطانيا، بعيد عن الانسانية تماما، والاحتراز منه أولى من التمشي معه.
ولا أعتقد انه قد فاتتكم الاجراءات الاحترازية الفعالة التي اتخذتها ايران، بانزال الجيش والقوات الامنية ليس للقبام بدوريات مشتركة، فنحن لسنا في حال حرب، وانما للقيام بواجبات اخرى، وهي تجنيد تلك الطاقات والقدرات الكبرى، لتعقيم كافة المناطق السكانية في انحاء البلاد، وفرض الحجر الصحي على الجميع.
ولا أظنك غير ملتفت لقرار الحكومة الفرنسية باعلان الطوارىء، وتعطيل المؤسسات والمصانع، وكل التجمعات البشرية، وفرض الحجر الصحي على الجميع، مع الوفاء برواتبهم كاملة، وتجميد الضرائب، واقساط القروض المستحقة للدولة ومؤسساتها على افراد الشعب، وتقديم مساعدات عاجلة للمتضررين، والمنقطعين.
ان تبرعكم بنصف راتبكم الشهري، لن يحل مشكلة تفاقم الوضع في البلاد، لو لم نتمكن من السيطرة على الوباء، فما هو مطلوب وممكن الان، هو فرض الحجر الصحي على جميع سكان البلاد لمدة اسبوعين، وعلى الجيش والقوات الامنية القيام بتطبيق هذا الأمر، حتى تتخلص بلادنا من خطر جدي قاتل، لو استمر في الانتشار والتفشي، وكان من باب أولى ان تتبرعوا بثلث او نصف ميزانية الرئاسة، فذلك أجدى وأقوم لمواجة خطر كبير، يحتاج الى مبالغ ضخمة.
تعطيل جميع المصالح، والزام المواطنين بالبقاء في منازلهم، أولوية يراها الكثيىون حلا ناجعا لتوقي الأسوأ، فخسارة أسبوعين من النشاط الاقتصادي، أخف ضررا من انتشار الفايروس وفتكه بالناس.
وأثناء هذا الحجر سيدي الرئيس، يجب الالتفات الى الطبقة الفقيرة، من اليد العاملة الكادحة، التي تكابد الغلاء مع قلة ذات اليد، ومعها أولئك الذين لا عائل لهم، قد كبلهم العوز واقعدتهم البطالة، وايلاء تلك الشريحة من أبناء شعبنا، واجب من شانه أن يرفع عنا شيئا من البلاء.
وأعتقد أن التضامن الشعبي الذي عرفه شعبنا في أيام الشدة والمحن، ليس بحاجة الى تذكير أو تحفيز، وكل ما يريده الشعب، وأنتم كنتم ركزتم في حملتكم الإنتخابية بالعنوان نفسه ( الشعب يريد) وكانت بين مطالبه التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني، والذي زاد في رصيد انتخابكم، اعتباركم أي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني خيانة عظمى، فأين انتم يا سيادة الرئيس مع ما وقع من تطبيع؟
وأين انتم يا سيادة الرئيس من إعادة العلاقات مع سوريا، الم تلزموا انفسكم باعادة العلاقات مع الدولة السورية؟ أم ان ذلك كان في عداد حملة دعائية انتخابية، غير وفية بوعودها، كما كان الشأن مع الباجي قايد السبسي؟ فتكون حلقة من سلسة مخاتلة الشعب، وإيهامه بشتى الوعود التي مل من انتظار تحقيقها.
ما نطلبه ونرجوه منكم أن تخرجوا من قمقم قرطاج، بقرارات جريئة ستكون طلائع الشعب فيها الى جانبكم، فالحق احق ان يتبع، وهو يعلو ولا يعلى عليه، والشعب يريد ان يرى قيسا عاشقا لليلاه (تونس) ليس بالفصاحة فحسب – وان بدت في الخطابين الاخيرين موبوءة بكورونا النطق- وانما بالمواقف العملية المصححة للمسار الاستحقاقي للشعب التونسي