بقلم الاستاذ المستشار: نعمان عبد الغني – خبير في الشؤون الرياضية |
إن نزاهة الرياضة تواجه تهديدات، والتحديات المحيطة بها عالمية وتتغير بإستمرار. بدون النزاهة لا معنى للرياضة، وخرق النزاهة لا يضر فقط بقيم الرياضة بل يقضي على شعبيتها واستمراريتها التجارية وبنهاية الأمر على وجودها.
يعرف الجميع بأن الفساد مفهوم مركب له أبعاد متعددة وتختلف تعريفاته باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها إليه. فيعد فسادا كل سلوك انتهك أياً من القواعد والضوابط التي يفرضها النظام كما يعد فساداً كل سلوك يهدد المصلحة العامة، وكذلك أي إساءة لاستخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة وكل ما هو ضد الصلاح. قال تعالى: [ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها] وقال تعالى: [وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد] وتُعَرِّفُ منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه “سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام لتحقيق مكاسب شخصية”، ولا تميز المنظمة بين الفساد الإداري والفساد السياسي، أو بين الفساد الصغير والفساد الكبير. وترى أن عمليات الفساد تسلب من البلدان طاقاتها وتمثل عقبة كأداء في طريق التنمية المستدامة..
وظاهرة الفساد تشمل جرائم متعددة مثل: الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، إساءة استعمال السلطة، الإثراء غير المشروع، التلاعب بالمال العام واختلاسه او تبديده او اساءة استعماله، غسل الأموال، الجرائم المحاسبية، التزوير، تزييف العملة، الغش التجاري وجرائم أخرى، وقد عانت دول عديدة منه لأنه ظاهرة مركبة تختلط فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ولذا تتعدد أسباب نشوئها، ومن هذه الاسباب عدم اتساق الانظمة ومتطلبات الحياة الاجتماعية وضعف الرقابة.
إن نزاهة مرتبطة بالأمانة التي أبت السموات والأرض والجبال حملها، وأشفقن منها لثقلها، وهي ثقافة تسود اليوم المجتمعات الغربية باهتمام كبير، ولكن من منطلقات أخلاقية واقتصادية واجتماعية وغيرها، أما نحن المسلمين فمعنيون بها من منطلق ديني قبل كل شيء، وقوامها الشفافية، ومحاربة الفساد بكل أنواعه وأشكاله، وطهارة اليد، وعدم التعرض للمال العام، أو الممتلكات العامة.
يستحيل أن تستقيم حركة التفكير بدون النزاهة، ذلك انه ليس من المستطاع التوصل إلى الحقيقة، وإدراك الصواب في ظل سيادة الانطباعات، والخواطر، والانفعالات والتعصبات، والأحكام الجاهزة أو المسبقة، ونية أو إرادة تحريف المبادئ والمفاهيم والمصطلحات عن مواضعها لأجل تحقيق هدف ايدلوجي أو سياسي أو دعائي أو مذهبي، فهذه كلها حُجب تحجب الناس عن تبيّن الصواب الميسور أو الأكثر رجحاناً، وتبعدهم عن الهدف المنشود من طرح هذه القضية البشرية أو تلك.
النزاهة سلوك أخلاقي رفيع لا تستقيم الحياة إلا به، وهي خلق متمم لصفات المسلم، وسلوكياته الإيجابية، كما أن النزاهة تعني الزهد في المال العام، بل الحفاظ عليه، والحرص على حمايته، وما أحوجنا إلى سيادة مثل هذه المفاهيم، التي تعني الرقابة على الذات، وهي أفضل من رقابة الجهات الرسمية، أو رقابة الأنظمة واللوائح.
وفي ترسيخ مثل هذه القيم، والالتزام بها، إسهام فعلي في التنمية والبناء والاستقرار، وكذلك الأمن الاقتصادي، وقبل كل شيء سلامة للمجتمع، وتجسيد لمبادئه الإسلامية، وتكريس للثقة بين أفراده، وحفظ لحقوق الأجيال القادمة.
إن مبدأ ترسيخ مفهوم النزاهة في الجيل القادم، سيحمي البلاد من آفة الفساد.
أصبحت الرياضة صناعة تدر أموالا طائلة تقدر بالمليارات، وبالتالي لا يمكن التساهل عندما يتعلق الأمر بالنزاهة والتلاعب بنتائج المباريات وما إلى ذلك من مسائل خارجة عن القانون.. هناك واجب على الحكومات من أجل مكافحة الفساد في الرياضة على مختلف أنواعها.
واجهت أوساط كرة القدم عددا كبيرا من حالات التلاعب بنتائج المباريات وادعاءات الفساد. والتلاعب بنتائج المباريات في كرة القدم هو تحدّ عالمي، إذ أطلق ما يزيد على 60 بلدا تحقيقات بشأنه في السنتين الماضيتين.
وتُقدَّر الأموال المتأتية من المراهنات غير المشروعة وحدها بمئات ملايين اليورو سنويا، بينما سهّلت شبكات المقامرة على الإنترنت، بشكل كبير، المراهنة على المباريات من أيّ مكان من العالم. وفي ضوء الأرباح الهائلة التي يمكن تحقيقها بفضل التلاعب بنتائج المباريات، باتت هذه الظاهرة تجذب عددا متزايدا من المجرمين وعصابات الجريمة المنظمة.
ويطرح التلاعب بنتائج المباريات تهديدا أوسع نطاقا أيضا، إذ يستخدم المجرمون الأموال المتأتية منه في أنشطة غير مشروعة أخرى. وبات من المهم، أكثر من أيّ وقت مضى، وضع استراتيجيات منسقة لمنع التلاعب بنتائج المباريات عن طريق إشراك الجهات المعنية على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والدولي.
ردّ الإنتربول
ينفّذ الإنتربول والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) مبادرة مشتركة (يجري حاليا مراجعتها منذ بداية شهر حزيران/يونيو 2015) ترمي إلى بلوغ هدفين رئيسيين هما:
• توعية الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال كرة القدم بكيفية الكشف عن محاولات اللجوء إلى الفساد في إطار المباريات أو التلاعب بنتائجها، ومقاومتها والإبلاغ عنها، وتدريبها على ذلك؛
• تحسين قدرات أجهزة إنفاذ القانون على التحقيق والتعاون في القضايا المتصلة بالفساد والتلاعب بنتائج المباريات.
والبرنامج المعني بالنزاهة في مجال الرياضة هو مبادرة عالمية في مجال التدريب والتوعية والوقاية يستهدف مكافحة التلاعب بنتائج المباريات والمراهنات غير النظامية وغير المشروعة. ويرمي هذا البرنامج إلى تعزيز وعي الجهات الفاعلة الرئيسية بظاهرة التلاعب هذه وبالاستراتيجيات التي يلجأ إليها المجرمون، والأساليب التي تتيح كشفهم والتصدي لهم. ويوفر البرنامج عددا من الأدوات لحماية كرة القدم من الفساد، تشمل تنظيم حلقات عمل وطنية وإقليمية ووحدات تعلم إلكتروني.
وتشكل مجموعة الإنتربول الواسعة من الأدوات والخدمات استراتيجية متعددة الأوجه للتصدي بفعالية للتلاعب بنتائج المباريات والفساد في عالم كرة القدم.
استراتيجية متعددة الأوجه
• يمكن إيفاد فرق الإنتربول للدعم في الأحداث الكبرى لمساعدة البلدان الأعضاء في إعداد وتنسيق وتنفيذ الترتيبات الأمنية للأحداث الكبرى، ولا سيما الأحداث الرياضية كالألعاب الأولمبية أو بطولات كأس العالم لكرة القدم. ويسهّل أعضاء هذه الأفرقة تبادل جميع البلدان الـ 190 الأعضاء في الإنتربول الرسائل والبيانات الشرطية الحيوية بشكل آني، ولا سيما بصمات الأصابع، والصور، والنشرات بشأن الأشخاص المطلوبين، والبيانات المتعلقة بوثائق السفر المسروقة والمفقودة وبالمركبات الآلية المسروقة.
• عملية سوغا هي عملية تكتيكية تنفَّذ حاليا وينسقها الإنتربول لتعطيل أنشطة المنظمات الإجرامية في آسيا ذات الصلة بالمقامرة غير المشروعة في كرة القدم. وقد أسفرت في (2013) عمليات سوغا الأربع عن النتائج التالية:
2360 مداهمة ناجحة؛
إغلاق أوكار للمقامرة غير المشروعة فاقت قيمة المراهنات فيها ملياري دولار من دولارات الولايات المتحدة؛
ضبط مبالغ نقدية فاقت 27 مليون دولار من دولارات الولايات المتحدة.
• فرقة العمل المعنية بمكافحة التلاعب بنتائج المباريات هي شبكة من المحققين المتخصصين. وتوفر المبادرة برنامجا للتعاون على الصعيد الدولي يمكّن البلدان الأعضاء من تعزيز تبادل معلومات الاستخبار والخبرات ووضع استراتيجيات لمكافحة شبكات الجريمة المنظمة المتورطة في التلاعب بنتائج المباريات عبر الحدود.
حماية النزاهة في عالم كرة القدم
يوفر برنامج الإنتربول المعني بالنزاهة في مجال الرياضة استمرارية في التعليم تستند إلى خمسة مبادئ أساسية هي: الشراكات، والمعلومات، والتنسيق، والوقاية، والاستباقية. ويمكن للوحدة التي تنفّذ هذا البرنامج أن تساعد اتحادات كرة القدم والإدارات الحكومية وأجهزة إنفاذ القانون وغير ذلك من الجهات المعنية على وضع استراتيجيات وقائية وتشكيل وحدات معنية بالنزاهة وإعداد دورات تدريبية موجهة لجمهور محدَّد.
• الشراكات: ليس بمقدور أيّ منظمة أن تعالج وحدها مشكلة التلاعب بنتائج المباريات. ولا بدّ، للحد من هذه الظاهرة، من اعتماد نهج يشمل عدة قطاعات على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والدولي. وينبغي أن تتضمن الاستراتيجيات الموضوعة شراكات تقام بين الاتحادات الوطنية لكرة القدم وشركات المراهنة والسلطات العامة، ولا سيما أجهزة إنفاذ القانون والهيئات التنظيمية.
• المعلومات: جميع الشركاء، بمن فيهم الجهات المعنية والجهات الفاعلة الأساسية والجهات المستهدفة، بحاجة إلى الحصول على معلومات عامة عن مشكلة التلاعب بنتائج المباريات لضمان مقاربتها من منظور مشترك. وكل مجموعة بحاجة أيضا إلى الحصول على مشورة محدَّدة يمكن أن تساعدها مباشرة على الاضطلاع بالدور المنوط بها لحماية النزاهة في مجال الرياضة.
• التنسيق: من المهم أن تعمل جميع الجهات المعنية على نحو منسَّق، ولا سيما على الصعيد الوطني، لاعتماد نهج شامل وموحَّد يُتّبع للوقاية من التلاعب بنتائج المباريات والتحرك إزاء الادعاءات بهذا الشأن.
• الوقاية: هي أهم عامل في معالجة مشكلتي التلاعب بنتائج المباريات والفساد في مجال كرة القدم. وتشمل التدابير الوقائية التوعية والتدريب والتثقيف، فضلا عن أساليب الردع كسن قوانين تضمن معاقبة أصحاب السلوك غير المهني.
• الاستباقية: إبراز حس قيادي والتحرك على نحو استباقي أمران ضروريان لوضع استراتيجية فعالة لحماية كرة القدم من التلاعب بنتائج المباريات. ولا بد من التحسب للتهديدات واتخاذ ما يلزم من تدابير وقائية للحفاظ على النزاهة في مجال كرة القدم على المدى الطويل.