د. سهام محمد |
أثارت قضية فصل الأطفال عن أهلهم القادمين بصورة غير شرعية إلى الولايات المتحدة، هربا من العنف في أمريكا الوسطى، فضيحة داخل البلاد وسيلا من الانتقادات والتنديد في العالم. مما دفع بالكثيرين إلى القول بأن صور أطفال محتجزين في أقفاص مسألة تثير صدمة عميقة. كما وصفها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي “بالجريمة” ، وقال إن “رؤية صور الجريمة التي تتمثل في فصل آلاف الأطفال عن أمهاتهم في الولايات المتحدة لا تُحتمل. لكن الأمريكين وبكل خِسة يفصلون الأطفال عن أهلهم المهاجرين”. وقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ، في وقت سابق تقريرا حول “التصريحات المهينة” التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووصفه لبعض البلدان “بالحُفر القذرة”. وهو ما رأت أنه “يحيل إلى بداية عصر قمع المهاجرين وتدمير سمعة الولايات المتحدة”. وقالت الصحيفة، إنه في لحظة عابرة ، أشار الرئيس ترامب، خلال إجتماع مع مجموعة من أعضاء الكونغرس، إلى أنّه سيتّخذ القرار الصحيح فيما يخصّ موضوع الهجرة، بما تقتضيه مصلحة البلاد، رغم ما سيخلفه ذلك من استياء بين مؤيديه. الواضح أنّ شخصية ترامب المعهودة قد عادت لتظهر من جديد بعد أن نعت الدول التي يأتي منها المهاجرون “بالحُفر القذرة”، متسائلا عن “سبب قبول الولايات المتحدة لمهاجرين من أماكن مثل هايتي أو أفريقيا بدلا من بلدان شمال أوروبا، مثل النرويج”. كما طالب مرة أخرى، في تغريدة على “تويتر”، ببناء جدار عازل على طول الحدود المكسيكية. وهو ما سبب حالة غير مسبوقة من الحيرة حول قضية الهجرة في الأوساط الأمريكية.وكانت صحيفة التايمز قد أشارت أنّه إلى جانب توجهات ترامب العنصرية الواضحة، فإن تاريخ الولايات المتحدة يشوبه ماض طويل وقبيح في التمييز ضد المهاجرين على أساس العرق أو الأصل القومي. ويبدو أن ترامب قد عزم على تقويض الجهود التي بذلها الرؤساء الذين سبقوه خلال العقود الأخيرة لتجاوز ذلك التاريخ المخزي”.وأفادت بأنّ ترامب نفى إدلاءه بهذه التصريحات ، ولكن السيناتور ريتشارد دوربين، أكّد أن الرئيس الأمريكي قد أفصح فعلا عن هذه الأقوال المحرّضة على الكراهية مرارا، خلال الإجتماع. وعلّقت الصحيفة على الأمر بأنه “ما يزيد صفة الكذب لقائمة طويلة من النعوت التي وصف بها ترامب، بما في ذلك العنصرية، والجهل، وعدم الكفاءة”.
الواضح أنّ ترامب -بإتخاذه إجراءات قاسية ضد المهاجرين الغير شرعييّن الى أمريكا وفصل الاطفال عن ذويهم ووضعهم في مراكز احتجاز- يحاول جمع تأييد الجمهوريين المتشدّدين، بتمرير قوانين صارمة فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية للحفاظ على ما يقولون أنه أمن البلاد وسلامة أراضيها من الدخلاء. فقد أتت هذه التصريحات والقرارات قبل التجديد الإنتخابي النصفي في شهر تشرين/ نوفمبر القادم، رغبة منهم في إعادة إستقطاب الكثيرين من المصوّتين للحزب الجمهوري. ولكن ربما ستنقلب الطاولة عليهم إذا ما تم تمرير هذه القوانين.لقد أكدت إستطلاعات الرأي في أمريكا أنّ أكثر من 86 % من الأمريكيّين الذين إستطلعت آرائهم فيما يتعلق بفصل الأبناء عن ذويهم من المهاجرين غير الشرعييّن ، يرفضون هذا الإجراء ولا يؤيدونه.من الواضح أنّ الإدارة الأمريكية الحالية ترغب في بناء الجدار العازل مع المكسيك، وهم يرون بأنهّ إذا ما تم تمرير أحد القانونين إلى الكنغرس، ربما سيكون هناك تمويل ضخم وكبير لبناء الجدار العازل إذا ما وافق الكنغرس بمجلسيه على المشروع.قالت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية في تصريح لها “لدينا مسؤولية قانونية لحماية الأطفال من عصابات تهريب البشر”. لكن السؤال هنا إلى أي مدى هذه المسؤولية القانونية المعلنة تُحتّم فصل القُصّر عن ذويهم؟ أم هي فعلا كلمة حق يراد بها باطل؟
يأتي هذا التصريح في الحقيقة، على لسان وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية ليبيّن الحجة الرسمية التي قدمتها الإدارة الأمريكية لتبرير هذا الإجراء، مشيرة إلى أنّ في أمريكا هناك حوالي مليونين ونصف المليون طفل أمريكي يفصلون سنويا عن أسرهم ليودعوا في مراكز خاصة أو عند عائلات أخرى بسبب أنّ آبائهم أو أمهاتهم من المجرمين. إذًا لشرعنة هذا الإجراء تتمسك الإدارة الأمريكية بحجّة أنّ هؤلاء الأطفال يجب أن يفصلوا عن ذويهم لأنّ أهاليهم يعتبرون من المجرمين لدخولهم الأراضي الأمريكية بطريقة غير شرعية.في شهر نيسان/ابريل الماضي تم فصل حوالي 2000 طفل عن ذويهم، وفي شهر مايو ويونيو تم فصل أكثر من 2000. لكن القضية لم تحل، وتراه المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وأعضاء في الكنغرس بمثابة الخرق لأبسط الحقوق الإنسانية. ولقد أصدرت رابطة طب الأطفال الأمريكية بيانا قالت فيه “إن ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية الآن هو تعذيب ممنهج للأطفال برعاية حكومية” وبالتالي هذا الأمر بات محرجا ومستنكرا من عدة جهات رسمية وغير رسمية.
لكن لابد من التأكيد أن إدارة ترامب ورئيسها لا تبالي لكل الإعتراضات مهما كان حجمها، فالغطرسة والإستخفاف بعقول الناس، والحسم والتهديد، من الأساليب التي باتت اليوم رمزا واضحا للإدارة ورئيسها المستهتر. هفوة ترامب أو عناده قد يُفقده الأغلبية في الكونغرس، وهو ما سيعرقل أجندته، فيكفي أن يحصل الديمقراطيون على 23 مقعدا آخر حتى يصبحوا أصحاب القرار، بيدهم الحل والربط بكل القرارات السياسية.هذه الخسارة قد تصبح أمرا واقعا، إذا ما عرفنا أن نتيجة استفتاء أجري مؤخرا أكدت عدم شعبية سياسته هذه بين أغلب الأمريكيين، حتى الجمهوريين أنفسهم، وبحسب “جيم مانلي” الإستراتيجي الديمقراطي فإن المصوّتين المتردّدين مثلا كالأمهات، وأصحاب المواقف الوسط بمجملهم اتخذوا موقفا معارضا بسبب ما يحدث. هذا الأمر من المؤكد أنه سيكون وبالا على ترامب وسياسته.