كما بات معلومًا، اندفاعة أميركية جديدة اتجاه طهران للعودة إلى الاتفاق النووي أحد مسارحها كان في عمان، حيث تبادل الطرفان رسائل بوساطة فريق عماني. تشير النتائج الأولية إلى رفض طهران اتفاقًا جزئيًا، أو أي اتفاق يمس بمبادئها النووية وحقها في التطور النووي بما يخدم مصالحها.
قد نكون أمام جولة متعددة الوسطاء، فبعد ما سرب عن تواصل غير مباشر في عمان، سجل اتصال مطول بين الرئيسين الفرنسي ونظيره الإيراني بمبادرة من الأول، تمحور في جزء منه حول “التفاوض النووي”. وبغض النظر عن الغوص في تحليل الأمور، فإن إشارات البيان الفرنسي الرئاسي عقب الاتصال بينت عن محاولة ربط التعاون القائم بين روسيا وإيران، باتفاق نووي جديد، وهو ما يعني أن واشنطن والغرب يريدان اتفاقًا ترفع بموجبه العقوبات لكن دون أن تستتفيد موسكو منه، وهو ما يُرفض إيرانيًا.
ورغم كافة الإشارات التي تأتي من عواصم عدة، وبغض النظر عن الأهداف الغربية عمومًا، والأميركية تحديدًا، من تحريك الملف بهذا الشكل في هذه المرحلة، فإن إيران رسمت على لسان آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي الخطوط الحمراء لأي تفاوض. الإمام الخامنئي جدد التأكيد أن بلاده لا تسير نحو السلاح النووي انطلاقًا من مبادئها الإسلامية، وفي هذه النقطة ألمح إلى أن الامتناع عن انتاج السلاح يعود إلى الركائز الإسلامية وليس خوفًا من أحد، مشددًا على أن بلاده لو أرادت لفعلت ولما تمكن أحد من منعها.
إشارات السيد في هذا الصدد تعطي نقطة قوة للموقف الإيراني القادر على فعل ما يريد، لكنه لا يفعل ما هو قادر عليه إلا وفق مصالحه وشرائع السماء، وهو ما يجب أن يتلقفه الأميركيون بدقة، كما فعل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي استند إلى فتوى الإمام الخامنئي عند توقيع الاتفاق النووي عام 2015 بتحريم تصنيع السلاح النووي.
لم يمانع الإمام الخامنئي عقد أي اتفاق، أو حتى التفاوض غير المباشر، مع التأكيد على نقطين: عدم الثقة، وعدم المس بالمبادئ النووية الإيرانية، أي أن لا يتم توقيع اتفاق يضر بتقدم طهران نوويا والاستفادة من الطاقة لأغراض سلمية. وبالتالي هو يؤكد على المصلحة الإيرانية بالدرجة الأولى، والقرار السيادي لطهران في القيام بما تقتضيه مصالحها ومصالح شعبها.
في المحصلة، يمكن فهم تصريحات الإمام الخامنئي أنها إشارات على إيجابية طهران في التعاطي مع الملف، وعدم إغلاق الباب أمام أي مساعٍ للتفاوض المشروط برفع العقوبات وعدم المس بالمنجزات الإيرانية في هذا الصدد، كما يبين أن الابتزاز في الملف النووي وربطه بملفات أخرى أمر مرفوض كما في الماضي.