لا يمكن فهم أمريكا ودول الغرب فهما صحيحا، من دون فتح ملفات جرائمهم التاريخية، بدءًا من التأسيس إلى التسييس والهيمنة على بقية دول العالم، ودراسة الثقافة الغربية ومرتكزاتها، دراسة تمكنه من كشف أهدافها وابعادها الخطيرة، ومن لم يأخذ هذه النصيحة بعين الإعتبار، غرق في مستنقع دعايات وسائل إعلامهم، بأساليبها الخبيثة في التأثير على عقول الناس، خصوصا أولئك المخدوعين في بهارجه الزائفة، وثقافته المحرضة على التمرد على القيم الإلهية، والدّاعية بعنوان الحرّية الشخصية إلى التفسخ والشذوذ.
أمنيات الغرب بجميع دوله، حصول تغيير سياسي في إيران، لا تزال تُراوِح مكانها، فلا بصيص أمل ظهر لهم من بعد طول انتظار (43 سنة) من نتائج مؤامراتهم، لعلها تسفر عن نتيجة تحقّق آمالهم بعدما تألّفت جهودهم عليها، وقد عقدوا العزم على المضيّ فيها، إلى آخر نفس يمكن أن يتردّد بين جوانحهم الحاقدة على الإسلام المحمدي وأهله.
آخر ما فعلته أمريكا زعيمة هذا الغرب والمتصدّرة لمؤامراته، استغلال وفاة فتاة كردية ( مهسا أميني) نتيجة إصابتها بنوبة قلبية – نابعة من انفعالها الشديد في قاعة مخفر شرطة الآداب، أدّت الى دخولها في غيبوبة ووفاتها بعد ذلك – بتحريض عملائها في الداخل، من أعداء النظام الإسلامي، للتعبير عن موقفهم من الأحداث المفتعلة، برفع شعارات معادية ضده، في أعمال شغب محدودة العناصر، معزولة في مناطق اندلاعها، لم يستجب لها عامة الشّعب الإيراني، والمعدود من أوفى وارقى الشعوب الإسلامية، في الثبات على مبادئ ثورته الإسلامية.
اتهام النظام الإسلامي الإيراني بقتل هذه الفتاة الكردية، هي محاولة بائسة ويائسة، اتخذها الغرب بعملائه أعداء الإسلام، لإيهام العالم بأن هذا النظام، لا يختلف عن بقية الأنظمة في أسلوب تعامله مع شعبه، والغاية التشكيك في مصداقيته، بأنّه لم يعُد ذلك النظام الذي يحمل أمل المستضعفين، في إرساء عدالة حقيقية بين أفراده، بإمكانها أن تعطي مثالا قائما حيّا للمجتمعات الأخرى، بالإمكان النسج على منوال نجاحه.
وما قيمة (مهسا أميني) لكي تُعْتَبر رمزا، اتّخذه المتآمرون على إيران شعارا، في مقابل مئات آلاف الشهداء الأبرار من مختلف طبقات الشعب، قضوا في الدفاع عن نظام اقتنعوا بحقانيته وجدواه في بلادهم فلم يتردّدوا في الدفاع عنه بأرواحهم(1)، وخسارة مئات العلماء من مختلف الإختصاصات، امتدّت إليهم أيدي الغدر الصهيو أمريكية، فاغتيلوا بدافع الحقد على نظام إسلامي(2)، تنظر إليه أمريكا ودول الغرب بعين العِدّاء والبغضاء، في مسعى لتصفية رموزه وقياداته، وحرمانه من ثمرات سياساته الإصلاحية، في اعتقادي أنّه لا وجه للمقارنة، بين من ناصبوا العداء للدين وأهله، وبين من انخرطوا في سلكه وقدّموا أنفسهم فداء له، وهيهات أن يتغلّب أهل الباطل على أهل الحق، ولو جمعوا له جموعهم، ونشروا عنه أكاذيبهم .
ما قامت به بعض النساء من حلق شعورهن، وحرق غطاء رؤوسهن في بعض الأماكن العامة، تعبيرا عن رفضهن الإمتثال لقانون إسلامي، منصوص عليه في القرآن كحكم محسوم أمره، هلّل لمظاهر معارضته ساسة الغرب كاشفين عن نواياهم الخبيثة، وداعين بكل وقاحة إلى دعم الفئات الضالة في ايران والوقوف إلى جانبها في أعمالها العدائية(3)، طمعا في حشد أكبر نسبة من المعارضين للنظام الإسلامي، على أمل تطوير وسائلها المعارضة، لم يبلغ مبلغ تهديد وجود دولة، لم تتأسّس إلّا على مشروع إقامة حكم الله في الأرض، لذلك فإنّ جميع المحاولات وقعت في مناطق إيرانية، موصوفة بأنها ضعيفة الإلتزام بقيم الدين، أو معروفة بنعراتها العرقية، لن تبلغ ما تأمله منها أمريكا والغرب، ويعتبر من جانب النظام الإسلامي ورصيده الشعبي الضخم الذي لا قِبَلَ لهرطقات الأعداء تجاوزه فهو خط أحمر مرتبط بآلية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل إيران، ولو اجتمع العالم بأسره ضده.
وفيما تروّج وسائل الإعلام الغربية خبر الغاء شرطة الأخلاق في إيران(4)، وتتداول الأمر بكثافة وقوّة من أجل تصديقها، وتحقيق نقطة ضعف وهمية، لإعطاء المعارضين وأعمال شغبهم مشروعية، بتراجع النظام عن هيكل تنفيذي لحكم إلهيّ، يعتبره المؤمنون ضمانة صلبة، لبقاء الفضاءات العامة خالية من ومظاهر الاغراء والتعري(5)، الذي تعاني منه شعوب ودول الإسلامية أخرى، ولا تجد له حلّا حتى على المدى البعيد، فقد فرط منها زمام المبادرة، واختلط فيها الحابل بالنابل.
أكذوبة حلّ شرطة الأخلاق في ايران، كان استباقا للخيبة التي مني بها مشروع المفسدين في الأرض من عملاء الداخل الإيراني، وداعميهم من الخارج، ظهرت في خبر مقتضب منسوب الى مسؤول إيراني، ثم ما لبثت ان عاد مروجوها للقول بأن هناك غموض حول الموضوع وأنّ الحكومة الإيرانية لم تؤكد هذه الخطوة، وقالت وسائل إعلام محلية إن ما تفوه به منتظري قد أسيء تفسيره(6).وفيما تنتقل دول الغرب وعملاؤها في المنطقة العربية والإسلامية، في سياساتها تجاه النظام الإسلامي في إيران، من فشل إلى آخر، يواصل نظام وليّ الفقيه مسيرته الموفقة في كسب المعارف والتكنولوجيا، متحدّيا العقوبات الجائرة المسلطة عليه، وفارضا أسلوبه الإسلامي في التعامل مع الصديق ومع العدوّ في الداخل كما في الخارج، ضاربا أروع الأمثلة في الصبر والتعقّل، وحسن معالجة القضايا ببصيرة من عرف الحق فاتّبعه، مصداق قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم)(7)
المراجع
1 – حرب الخليج الأولى https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – اغتيال علماء نويين إيرانيين https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – إيران تؤكد أنها اقوى من أن تتأثر بتصريحات بايدن الداعمة للإحتجاجات
4 – إلغاء شرطة الأخلاق.. هل تنجح إيران في “امتصاص غضب” المتظاهرين؟
https://www.alhurra.com/iran/2022/12/04
5 – إجباري حتى على السائحات وغير المسلمات! نظرة على قانون الحجاب الإلزامي في إيران
https://arabicpost.net /2022/09/21/
6 – مظاهرات إيران: غموض بشأن مصير شرطة الأخلاق
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-63848444
7 – سورة المائدة الآية 105