في عام 1972 أنشأت رئيسة حكومة الكيان الصهيوني غولدا مائير مستوطنة في قلب قطاع غزة أطلقت عليها اسم «نيتساريم».. وفي عام 1973 قبل حرب تشرين أخذت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قراراً بإنشاء مستوطنة في أراضي الجولان السوري المحتل وأطلقت عليها اسم كاتسرين لكن تطورات حرب تشرين حالت دون متابعة هذا المشروع مدة 3 سنوات.. وفي عام 1976 جرى البدء في بناء تلك المستوطنة.
وبقيت مستوطنة «نيتساريم» موجودة في قلب القطاع إلى أن أجبرت المقاومة الفلسطينية أرييل شارون في عام 2005 على سحب كل القوات المحتلة من القطاع وتفكيك مستوطنة نيتساريم وبقية المستوطنات.. وفي ذلك الوقت بدأ المعارضون لانسحابه بتذكيره بالشعار الصهيوني الاستيطاني الذي اعتاد الإعلان عنه برفض الانسحاب من أي مستوطنة أو شبر احتلته القوات الصهيونية من الأراضي العربية، وفي هذا الشعار كان شارون يكرر أن «من ينسحب من مستوطنة نيتساريم كأنه ينسحب من تل أبيب» تعبيراً عن التمسك بالمستوطنة وضمها مع كل المستوطنات إلى ما يسمى (السيادة الإسرائيلية).. وكان يكرر منذ قيادته قوات الاحتلال عام 1970 أنه «لا يجب الهروب أمام المقاومة العربية لأن ذلك سيشكل سابقة تنهي قدرة الردع الإسرائيلية وتزيد من قدرات المقاومة».. وفي النهاية هُزم في جنوب لبنان عام 2000 على يد المقاومة الوطنية اللبنانية، المدعومة من سورية، ما شكل رافعة للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في انتفاضة أيلول من العام نفسه.
وهكذا كانت المقاومة تنتقل من انتصار لآخر رغماً عن أنف شارون و(قادة) قوات الاحتلال.. واليوم هاهو نتنياهو يعلن من واشنطن بعد أن منحه ترامب «نص اعترافه بضم» الجولان العربي السوري «للسيادة الصهيونية» أنه لن ينسحب أبداً من مستوطنات الجولان المحتل، بل إنه بالمقارنة مع شارون تمسك بقرار «ضم» المستوطنات الذي صدر عن حزب الليكود نفسه عام 1982 وها نحن بعد 36 عاماً على هذا الاعلان نذكّر نتنياهو ومعه ترامب بأن مستوطنة نيتساريم بقيت تحت إدارة الاحتلال الصهيوني 32 عاماً من عام 1972 إلى عام 2005 ثم مُسحت من الوجود وانسحبت «إسرائيل» منها.. ومصير مستوطنة كاتسرين سيكون نفسه.. ومصير نتنياهو سيكون مصير شارون نفسه، فبعد انسحابه من نيتساريم لم يعد شارون رئيساً للحكومة وانتهى إلى غير رجعة، ونتنياهو أراد أن يحصل من ترامب على موافقة أمريكية «بضم» الجولان السوري المحتل لكي يستمر في المحافظة على رئاسة الحكومة قبل أسبوعين من موعد الانتخابات، ولكي يتيح له هذا القرار الأمريكي العدواني التخلص من محاكمته بالفساد إذا ما فاز هو وحزبه، وهو يعرف أن معظم المختصين والمحللين الإسرائيليين وصفوا محاولته للحصول على هذا الاعتراف بالقنبلة التي ستتفجر في وجه الكيان الصهيوني قريباً.. وبتعريض قوات الاحتلال إلى مقاومة سورية سيصعب جداً على الغرب عدّها «خرقاً للقوانين» مادام العالم كله، وعلى رأسه الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، يعد الجولان أرضاً سورية محتلة.. وفي هذا الاتجاه تقول أوساط المعارضة داخل الكيان: إن نتنياهو دفن شعار «الأرض مقابل السلام» في ظروف تزداد فيها قدرات جبهة الشمال الممتدة من الجولان إلى جنوب لبنان بعد أن تمكنت سورية من هزيمة المجموعات المسلحة ومن كان يقدم الدعم لها.
ويستشهد محللون آخرون من داخل الكيان الصهيوني بتراجع القدرة الأمريكية بعد رغبة ترامب المُلّحة لسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سورية في أعقاب ما حققته سورية وحلفاؤها من انتصار على الحلف المعادي لها.
و«قرار» ترامب- نتنياهو بشأن الجولان ينهي علناً أي تداول أمريكي بـ «مبادرة السلام العربية» ولم يبق سوى أن تفرض الشرعية الدولية- وفي مقدمها منظمة الأمم المتحدة- أن تفرض بالقوة على الكيان الصهيوني الانسحاب، وإذا لم تتجه نحو هذا الحل، فإن سورية وحلفاءها قادرون على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية واستعادة الجولان بالقوة، وهو ما سوف يمثل أولوية على جدول عمل القيادة السورية بعد هذا التواطؤ الصارخ للولايات المتحدة مع العدوان الصهيوني على السيادة السورية.