في قلب الليل مكثت أتلو لروح الشهيد كما كل سنوية قبل الطلوع وزيارة الضريح مع إخوته الروحيين، فعقد السلام الروحي الشخصي مع روحه بالذات آخر تماما.
فجرا، كنت على أهبة الحضور إلى عالم آخر أبيض خافق الإدراك الكثيف بحواس الروح كلها، بجاذبية خفيفة الروح تعلو. وكان النبض منسابا شفيفا. رأيت عالما ثلاثي الروح: أبتي والشهيد وبينهما هالة تسحبني. كتبت ما تناثر في قلبي من كلمات السماء وأثلجت جسدي ببارد الماء وحسنت ما استطعت في نفسي لواجب اللقاء ومضيت، وفي الأثناء اخذت الورد معي وكان اللقاء.
كنت في الصباح مخطوفا عالي النبض مخضبا بالمطلق وباستفاقة متعبة مثقوبة ببعض أشعة شمس طليقة العنان. اجتهدت لإطلاق لساني بفقه الروح وعلوية الروح، فإني إلى
ندوة “رمزية الشهيد في المشروع الوطني المقاوم” أمضى، وعلي أن لا أخيب أمل الأمانة. وأن أفتتح القول كما يليق.
حدثت أحد الخلص الأخيار بأني استشعر شيئا ما يحدث ويقترب. في البداية كان خبر وفاة المرحوم الباجي قايد السبسي رئيس الجمهورية التونسية. خبر لم يبعد عني ما يمكن أن يحدث. قطعنا الندوة ومضينا.
وفي المساء جائني نبأ وفاة أبي رحمة الله الواسعة عليه، النبأ الفريد الذي عصمني إلى الأبد وعصم قلبي وقبلتي وبوصلتي إلى أن يرث الله الدنيا وما عليها. لم أتردد لحظة في ربط الحدس بالحدس والحس بالحس والقلب بالقلب والقدر بالقدر. فعندما جائني خبر الشهيد القائد، سيد السماحة الحاح محمد براهمي، كنت أيضا بصدد الكتابة. وإني من أبي وإن الشهيد مني.
هما روح مجنحة تحلق في سرب أرواح. هما كتاب أصبح واحدا وأكبر من مجرد التعاطي مع الأخلاق والسياسة وأكثر من عشق للمقاومة وأسمى من مجرد إطار.
الوالد الجميل يفوح بعطر المقاومة الجزائرية – التونسية والأخ الشهيد يفوح بطيب الشهادة وسيرة رجل كبير حاول في سنة 1982 الالتحاق بالمقاومة الفلسطينية أثناء اجتياح بيروت ونشر كتاب الفقيد رحمة ربي عليه حسين التريكي “هذه فلسطين… الصهيونية عارية” بعد سنوات، وكم سرني هذا المعطى الذي يبدو بسيطا، إذ كل شيء عندي كتاب “وكل شيء أحصيناه كتابا”.
من كل ذلك تعلمت: المشروع الوطني المقاوم، خط الشهيد محمد براهمي، علوية روح.
* من أجل جمهورية سيادية: جمهورية الحق والعدل والاقتدار
* من أجل دولة سيادية: دولة الرعاية والعناية والمناعة
* من أجل وطن سيادي: وطن الوحدة والقرار والاستقرار