في زمن القادة الابرار، ترتفع الأنفس التوّاقة الى نصرة دين الله واقامة صرحه، من مقام الحلم والتمني، الى مقام العمل والفعل، الذي يفرض نفسه، أمام تحديات تحالف الاعداء، في محضر من صناعة غد اسلامي، يتأكّد وعده، وتعلو رايته ودعوته، فمن شاء لبّى ومن شاء أبى.
كما كان منتظرا جاءت اطلالة سيد المقاومة، الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بمناسبة الذكرى الثالثة عشر لانتصار المقاومة سنة 2006، وفيّة بوعودها، ومرجوّة لما كانت جماهير المقاومة في كل مكان، تنتظره من قائد وفيّ، كلما تكلم جرى صدق لسانه في خطابه، مجرى الدماء من العروق، وكلما وعد بتحقيق هدف أو بلوغ غاية وفّى بوعده، وكان منذ أن استلم امانة الحزب، عند حسن ظن أنصاره في لبنان، وفي العالم العربي والاسلامي، بقطع النظر عن توجهاتهم الفكرية والعقائدية.
شخصية إسلامية جلبت لنفسها التقدير والاحترام من القريب والبعيد ومن الصديق والعدوّ، فشكّل ظاهرة فريدة في عالمنا اثارت اعجاب متابعيه رغم اختلافهم معه في الرأي، تعلّق به أنصار محور مقاومة عملت على تأسيسه الثورة الاسلامية الايرانية، ليكون أحد أهمّ ركائزه النضالية في وجه العدوّ الصهيوني، وقد نما منذ 1985 بسرعة ولم تمر 15 سنة حتى تمكن من الوقوف في وجه الكيان الصهيوني والانتصار عليه في مواجهتين سنتي 2000 و2006 وفرض على الساحة معادلة جديدة في الرّدع لا يزال الصهاينة يتجرعون غصص مرارتها.
خطابات سيد المقاومة جميعها حملت الينا الجديد الذي يتطلع اليه متابعوه وخصوصا انصار محوره المبارك، وخطاب يوم الجمعة 12/7/2019 تميّز بجديد اشتماله على مجوعة من الحقائق المتعلقة بالجمهورية الاسلامية في ايران في تحدّياتها التي واجهتها أخيرا، ولم يخلو خطابه من مفاجأة، عبر عنها بأسلوب الواثق الذي استبعد أي نسبة من الشك فيما افضى به الى جماهير المقاومة، المتعطشين لكل جملة ينطق بها، وهذه المرة زف الينا بشرى ليست ككل البشائر التي كان يقدمها لنا، حيث قال:” بحسب المنطق والزمن، وليس بعلم الغيب، لدينا فرصة كي أصلي في القدس.”
اعلام واضح ساقه السيد حسن بدون مقدمات، بأن عمر الكيان أصبح تعداده في ساعة في كف المقاومة، وصلاته في القدس، معناها زوال الكيان الصهيوني، ليس تمنّيا كما يحاول بعض الزعماء ايهام شعوبهم به، وإنما نتيجة معطيات متوفرة لدى قيادة الحزب ومحور المقاومة، تقول بأن المرحلة القادمة ستكون انتظار ساعة الصفر، التي ستبدأ فيها عملية تطهير فلسطين من الكيان الصهيوني، بدأ من اقتحام الجليل.
وفي معرض حديثه عن المقاومة قال السيد انه خلال 13 عاما، تطوّرت المقاومة كمّا وكيفا، وهذا ما سلّم به الكيان وتحدث به متأسّفا، والتعبئة البشرية نمت بشكل كبيرا جدا، واعداد المنتسبين للمقاومة تضاعفت بشكل جيّد، مع البناء العلمي الامكانات التسليحية المتطوّرة، والخبرة الميدانية وتراكم التجربة، المكتسبة في الحرب على الارهاب الوهابي التكفيري في سوريا، اعطى الاضافة المرجوّة الى القوة الهجومية، على مستوى قوات المشاة المسلحة بتجهيزات على مستوى تقني عال، بالإضافة الى تطور القوة من الناحيتين التدريبية العالية القيمة، ومكاسب المعارك التي خاضتها قوات المقاومة، في حربها الهجومية على قواعد الارهاب في سوريا، والقدرة الصاروخية التي بين ايدي أخصائيي القوات الخاصة نوعا وكما، لاسيما الصواريخ الدقيقة، والطائرات المسيرة، كما أعلن سماحته أنه في بقية المجالات هناك تطور على الصعيد المعلوماتي، وغيرها من الفنون العسكرية الحديثة، التي اخذها القادة بعين الاعتبار وملكوا زمامها، والمح السيد بالقول: اننا نريد ان نترك ونخبئ شيئا للعدو.. مؤكدا: ان العدو اليوم يخشى المقاومة، اكثر من اي وقت مضى. متسائلا عن امكانية أن يكون لدى الحزب صواريخ ارض جو او لا لإسقاط الطائرات، تاركا لهذه المساحات مجالا من الغموض، الذي قد يشكل مفاجأة في أي حرب او عدوان محتمل الحدوث.
وعن الجمهورية الاسلامية الايرانية، تحدث سماحته بما اماط اللبس، عن الوضع في منطقة الخليج الفارسي، معتبرا أن اسقاط طائرة التجسس الامريكية المتطورة، كان بمثابة رسالة واضحة من ايران الى الامريكي، أردفتها برسالة ثانية عبر وسيط ثالث (احتمال أن تكون سويسرا)، مفادها أنه في صورة اقدام امريكا على قصف مواقع ايرانية، فأن أهدافا أمريكية سيتم قصفها، لذلك توقف الامريكيون عن رد الفعل، وبعملية حسابية بسيطة، اخرجت لهم نتيجة أنهم خاسرون 100 %.
ويبدو ان الأمريكي على خلاف عربدته الاعلامية التي تعود تسويقها، لأجل ابتزاز حكام الخليج، أكثر جنوحا للتهدئة بعد استماعه الى تقارير خبرائه العسكريين، وما يمكن ان يحصل من خسائر للمصالح الامريكية في المنطقة، ولن يكون الكيان الصهيوني في منأى عن الاستهداف بالصواريخ الايرانية الدقيقة والمدمّرة، التي ستجعل بزواله.
عن الموقف الايراني تحدّث السيد حسن مؤكدا أن ايران لن تفاوض اميركا مباشرة، وهو موقف جميع المسؤولين فيها، ومع ذلك، فهم منفتحون على كل المبادرات بما يحفظ مصالحهم.، لذلك ترى الحكومة في تمسك الجانب الاوروبي بالاتفاق النووي المبرم بابا للحل لا يجب غلقه قبل استنفاد الفرص، مذكرا ان صمود ايران على مدى 40 عاما في وجه العقوبات الامريكية لن يجعلها تركع بأي حال، وستخرج منها أقوى من ذي قبل، ولن يجدي التصلب الامريكي في حرفها عن مسارها، خصوصا بالنسبة للقضية الفلسطينية، والتقدم العلمي والتقني الذي بلغت فيه ايران اشواطا متقدمة.
وتساءل سيد المقاومة، وهو العارف بتفاصيل تحريض دول من الخليج امريكا، على شن حرب على ايران: من مصلحة من أن تذهب المنطقة الى حرب مدمرة؟ مشيرا الى ان “مسؤوليتنا جميعا في المنطقة، العمل لمنع حصول الحرب الاميركية على ايران، لأن الكل يجمع أنها مدمرة. ودمارها سيلحق الجميع ولن يستثنى من احد، سواء شارك في العدوان، أو قدم اراضيه منطلقا للهجوم على ايران، وسيكون الثمن على قدر الضرر.
قوة الردع لدى المقاومة الاسلامية، كما تحدث عنها سيد المقاومة، معبّرا عنها بأنها نابعة من نخبة جماهير الأمة، قائمة على احتضانها لها بقوة وارادة وعزيمة، جعلت منها واقعا ثابتا يزداد تقدّما كل يوم، وتفرض منطقها في معادلات الحرب والسلم في المنطقة.
هذا التطوّر النوعي، ما كان أن يحصل، لولا القيادة الاسلامية الحكيمة، المؤمنة بتكليفها ودورها وتضحياتها، ودماء شهداء المقاومة، تعطي الاندفاع لكل المجاهدين فيصنعون المطلوب.
سيد المقاومة تحدث بلغة المتيقن بتحقيق النصر على العدو، في اي حرب مقبلة، وعلى كل الصُّعد، والاستعداد لها قائم على قدم وساق، تهيئة لكل اسباب النجاح، معتبرا أن الحزب لا يقاتل من اجل الدنيا والسلطة، بل يقاتل في سبيل الله وابتغاء مرضاته. وهذا أحد أهم أسباب تفوقه ونجاحه.
وفي معرض حديثه عن المتآمرين على القضية الفلسطينية من العرب وغيرهم قال: (سابقا لم يكن لدينا عرب، وانما كان هناك انظمة عربية متخاذلة بالإضافة الى الدعم الاميركي، هذه العناصر تعطي القوة لإسرائيل وليس قوتها الذاتية، لذلك سبق ان طلبنا من العرب ان لا يتأمروا على فلسطين والمقاومة، ويتركونا فقط كي نواجه عدوا غير قابل للبقاء.( على ارض فلسطين خصوصا، وفي المنطقة عموما.
اما فيما تعلّق بصفقة القرن فقد رأى أن فشلها ظهرت اعراضه قبل أن يبدأ مؤتمر المنامة، بدأ من اعلان ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وهو أمر لا يجرؤ أحد على الاصطفاف وراءه، من العرب والمسلمين، ولا حتى المسيحيين.