أخبار عاجلة

فريقا تقتلون وتأسرون فريقا (1)…بقلم محمد الرصافي المقداد

ما فتئت مقاومة العدوّ الصهيوني تُتحف أنصارها كل مرّة، بإنجاز تحققه على ميدان مواجهته  العسكرية، فعلى سبيل مثال مواجهاته السابقة قبل طوفان الأقصى، فشلت آلته العسكرية في تحقيق تقدّم في توغلاتها السابقة، كلما تلقت ضربة موجعة من قوى المقاومة الفلسطينية، مصدرها قطاع غزة، بحيث أصبح هذا القطاع الصغير الحجم في مساحته، شديد الكثافة من حيث سكانه، قويّ في أدائه الجهادي، يشكّل خطرا يتهدّد الكيان من الجهة الغربية لفلسطين المحتلة،  وبقاء هذا الزخم الثوري سيفا مسلطا على رقبته، من شأنه أن يفسد مشروعه الإستيطاني المتمدّد ليشمل كل فلسطين، وهذا من بديهيات المخطط الصهيوني لرسم خارطة إسرائيل الكبرى، ولن تقف عند حدود فلسطين وحدها، بل سوف تشمل تحقيق الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات.

تطوّر حركات مقاومة العدو الصهيوني، لم يأتي من صدفة أو فراغ، فقد تصدّى لرعايته رجال صادقين من أمثال الشهيد (مصطفى جمران)، والشهيد (عماد مغنية)، والحاج (قاسم سليماني)، جعلوا القضية الفلسطينية أولوية حياتهم، ووضعوها نصب أعينهم، بل أولوها عناية لم تحصل من قبلُ، من أيّ طرف كان متبنّيها شكلا، لكنه اقعا كان خارجا منها مضمونا، خصوصا بعد تلك الهزيمة المذلّة المعروفة بالنكسة وحرب الأيام الستة، وجاءت حرب أكتوبر 73، لتفتح صفحة جديدة في مواجهة العدو الصهيوني، وتعيد مؤشّر الغلبة والتفوق إلى إمكانية تحققه من الجانب العربي الإسلامي، بالنتيجة الحاصلة على الميدان، فقد أمكن تحقيق انتصار على القوات الصهيونية، في سيناء وفي القنيطرة.

وكان لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وقيام نظامها الثوري الأثر البالغ، في تطوّر أداء حركات مقاومة العدوّ، بعدما تبنّى النظام الإسلامي في إيران مشروع تحرير فلسطين بشكل كامل، وقدّم لفصائلها كلّ الدعم والمساندة في تطوير وسائل مواجهته، بالأسلحة المناسبة القادرة على تكبيده الخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدّات، وهي خسائر لم يكن يتوقّعها قادته العسكريون والسياسيون، وأحدثت فيهم هلعا وخوفا من مصير أصبح يلوح لهم.

والدرس الكبير الذي تلقاه الجيش الصهيوني بعديده وأعتدته كان في لبنان، بعدما أنهى حزب الله سنوات عربدته في مواجهتين اثنتين، سنة 2000 و2006، أسقطت أي إمكانية ثالثة في اجتياح لبنان مجددا، وكان من قبلُ يُمثّل تهديدا مرفوعا في وجه اللبنانيين جميعا، أو لنقل أنه الخبز اليومي الذي كان الجانب الصهيوني يتبجّح، ويتغنى به في دعاياته الإعلامية العسكرية، فلمّا انكسرت شوكته بفعل الانتصارات التي حققتها المقاومة الإسلامية في لبنان، لم يبقى له سوى التهديد والوعيد الكاذب.

إلى جانب تطور قوى المقاومة في شمال فلسطين المحتلة، سجّل العالم تطوّرا آخر تمثل في تنامي قواها في قطاع غزّة، فبعد صمودها في وجه محاولات التوغّلات العسكرية الصهيونية المتكرّرة، والتي منيت بالفشل في اختراق دفاعات المقاومين الفلسطينيين، رغم اختلال موازين القوى في الأعتدة، وهو ما أعطى الفلسطينيين مجالا جديدا من المناورة في مواجهة عدوّه، دفعه إلى القيام بمبادرة الهجوم الناجحة (طوفان الأقصى)، الذي عرّى ما بقي مستورا، من وهن وضعف وترهّل معنويات الجيش الذي لا يقهر.

هذا الجيش بمختلف قطاعاته، شارك في العدوان متكرر على قطاع غزة، كلما عنّ لقادته القيام بذلك، وبأقلّ الخسائر الممكنة، ووقف العالم بأسره على مدى هشاشته في هجماته، وبرهنت فصائل المقاومة التي وحّدت صفوفها في مواجهته، على براعة واقتدار في منازلته من مسافة الصّفر، وبل وقتل وأسر عددٍ من جنوده كل مرّة، وفي هذا العدوان السّافر، ازداد الكيان الصهيوني افتضاحا، من جهة كونه فاقد الإنسانية، عديم الضمير، بلا رحمة، ظهرت واقعا منذ تأسيسه، وتجلّت بكافة رذائله وهو على حاله التي يراها العالم اليوم، كالثور الهائج يحطم في طريقه كل شيء.

على الرغم من التعتيمات الكبيرة، التي تمارسها وسائل الإعلام الغربية، المتواطئة مع الكيان الصهيوني، من أجل التغطية على جرائم قواته العسكرية، والتقليل من شأن إنجازات المقاومة في مواجهة غطرسة آلة قتل ودمار، عاملة بلا هوادة، ودون مراعاة شيء من القيم الإنسانية، التي تُعْتَبَرُ ملزمة للجميع، فالقتل العشوائي للمدنيين العزّل، أطفالا ونساء وشيوخا، هي جرائم حرب يُعاقِبُ عليها القانون الدولي، والتدمير الممنهج للبنى التحتية، من مستشفيات ومدارس ومساجد، يؤكّد على عدوانية وبغض لا مثيل له، من مستوطنين تجاه أصحاب الأرض الحقيقيين، في تاريخ الإنسانية المعاصر.

إنجازات المقاومة في قطاع غزّة كبيرة، رغم مقتل عشرات آلاف المدنيين، وخسارة البنى التحتية في غزّة، وقد ظهرت في تسجيلات قام بها المقاومون، أثناء قيامهم بعملياتهم العسكرية في مواجهة القوات الصهيونية، فقد (أكد الناطق العسكري باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة تنفيذ مقاتلي القسام، عملية مركبة شمال قطاع غزة، وتمكنوا من الاشتباك مع أفراد قوة إسرائيلية، أوقعوا جميع أفرادها بين قتيل وجريح وأسير.

وقال أبو عبيدة في بيانه السبت: “تستمر حكومة العدو في سياستها العمياء العبثية في الانتقام والتدمير، حكومة العدو تنتقل من فشل إلى فشل، ومجاهدينا مستمرون في تلقين الإحتلال الدروس في محاور القتال، وآخر فصول الفشل ما قامت به قوات العدو في جباليا ورفح، وأضاف: قوات الإحتلال تنبش بحثا عن رفات أسراها، لأجل مكائد نتنياهو الشخصية، مجاهدونا نفذوا عشرات العمليات ضد قواته، على مدار أكثر من أسبوعين في رفح وبيت حانون.)(2)

بينما تتأكّد معلومات جبهة المقاومة في غزّة، يسقط الصهاينة في تصريحاتهم الكاذبة، بما زاد في تخبّطهم، وهروبهم من عرض حماس لوقف القتال، جعلهم أكثر إحراجا اليوم، بعد وقوع أسرى آخرين، أخذتهم حماس بعد عملية نوعيّة، أودت إلى مقتل وجرح عدد آخر من الجنود الصهاينة، وبعد أن تعرّت الحكومة الصهيونية مع قيادتها العسكرية، وظهرت في وضع لا تُحْسَدُ عليه، يزداد وضعها تأزّما من ناحيتين، الوضع الداخلي حيث نزلت أسهم ناتنياهو إلى أسوأ مستوى لها، بعدما تبيّن فشله في إدارة الأزمة التي أوجدها طوفان الأقصى، فهو مهدد بالسقوط والمحاكمة، والوضع الخارجي حيث انقلب السحر على الساحر، فقدَ فيه الكيان مصداقيته ما أسفر عن تخلّي دول أوروبية عن مناصرته المطلقة، آخذة بعين الإعتبار الحقّ الفلسطيني، وهذا بفضل طوفان الأقصى، وما فرضه من واقع جديد تجب مراعاته، والفسحة التي كان يلعب فيها الكيان الصهيوني ضاقت عليه، ولم يعد بفعل فيها ما يريد، وعلى الجاني تدور الدوائر.

المراجع

1 – سورة الأحزاب الآية 26

2 – اسرائيل تنفي.. وتؤكد عدم خطف أي جندي

“القسام” تأسر وتقتل جنود إسرائيليين في جباليا

https://elaph.com/Web/News/2024/05/1538552.html

شاهد أيضاً

الحروب اللا أخلاقية .. بايدن شرطي العالم ونتنياهو وكيله المعتمد…بقلم م. ميشال كلاغاصي 

من جديد تُثبت يوميات الحرب والعدوان والصراعات والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط حجم العار الأخلاقي …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024